غالباً عندما لا يستلطف أحدنا شخصاً ولا ينجذب إليه فقد تكون من سوء تصرفات هذا الشخص، أو أنّ شخصيّته لا تلائم شخصيته (وهذا الموضوع له بحث آخر)، فترى يتجنّبه كثيراً ولا يرتاح في وجوده… الخ.
لكن أحياناً يكون الطرف المقابل ليس شخصاً سيئاً وتصرفاته تكون ودودة ومحبه له لكن مع هذا لا ينجذب إليه كثيراً.. أو يكون من الذين كان يودّهم لكن بمرور الأيّام خمدت تلك المشاعر والعواطف في قلبه بسبب المشاكل التي مرّت عليهم أو أيّ سبب استدعت انطفاء تلك الشّعلة، فهنا يعود الأمر إليك، تأمّل في تصرفاتك جيّداً.. لأنّ "بــ يدك وقود الشّعلة".
تسألني كيف يحصل ذلك؟
سأُجيبك؛ الأمر في غاية السهولة، وهو أن "تروِّض قلبك بأفعالك".
(ستيفن آر كوفي) وهو من مشاهير خبراء التّنمية البشريّة المميّزين، أتاه رجل، وقال: إنّني قلق بشأن زواجي لأنّني أنا وزوجتي لم نعد نكنُّ لبعضنا البعض المشاعر ذاتها كسابق عهدنا، وأعتقد أنّني لم أعد أحبّها، كما أنّها لم تعد تحبّني أيضاً. ما الّذي يسعني القيام به؟ .
فسأله ستيفن: ألم تعد بينكما أيّة مشاعر؟. فأجابه الرّجل مؤكّداً: هذا صحيح. لدينا ثلاثة أطفال ونحن قلقان بشأنهم. ما الذي تقترحه؟. فأجابه: "أَحِبَّهَا".
ردّ عليه الرّجل: لقد أخبرتك، لم تعد بيننا أيّة مشاعر. فقال له ستيفن للمرة الثّانية: أَحِبَّهَا. أجابه الرّجل: ألا تفهم؟ لقد انتهت المشاعر بيننا. قال له ستيفن للمرّة الثّالثة: إذن أَحِبَّهَا..، فالمشاعر إذا لم تكن موجودة فهذا سبب أدّعي لِتُحِبَّهَا .
قال الرّجل: ولكن كيف تحب عندما لا تحب؟ فقال ستيفن: يا صديقي إن (الحب) “فعل”. و(المشاعر) هو ثمرة الحب، أي ثمرة “الفعل”. لذا، أحبّها واخدمها وضحِّ من أجلها واستمع إليها وقدِّرها. هل أنت قادر على هذا؟ .
قد ذكر أيضاً في كتابه (العادات السّبع للنّاس الأكثر فعّاليّة) وهو الكتاب الأكثر مبيعاً في العالم :
“ وتؤكد الكتابات العظيمة التي تشكّل فكر المجتمعات التقدمية أنّ الحب “فعل”، ولكن النّاس الإنفعاليين يحوّلونه إلى (مشاعر) وبعد ذلك تقودهم تلك المشاعر .
ويميل كُتّاب السيناريو في هوليوود إلى دفعنا إلى التّصديق أنّنا لسنا مسئولين وأنّنا نحتاج لمشاعرنا، ولكن سيناريوهات هوليوود لا تصف الواقع. فلو حكمت مشاعرنا تصرّفاتنا فهذا نتيجة لتخلّينا عن مسئوليّتنا وزيادة قوّة مشاعرنا لتدفعنا إلى هذا. أمّا النّاس المبادرون فيجعلون الحب “فعلاً”. و(الحب) هو “شيء تقوم به وتضحيات تبذلها، والتّخلي عن الأنانية” كما تفعل الأم التي تلد طفلاً إلى العالم. وإذا أردت دراسة عن الحب فلابدّ أن تقرأ عن هؤلاء الّذين بذلوا تضحيات من أجل الآخرين، حتى من أجل أولئك الذين أساءوا إليهم أو حتى لم يبادلوهم الحب. و(الحب) هو قيمة تتحوّل إلى واقع من خلال "الأفعال الّتي تدلّ على الحب”. والنّاس “المبادرون” يضعون المشاعر في مرتبة أدنى من القيم، ومن ثم يتسنّى لهم استعادة الحبّ والمشاعر".
لله درّ أمير المؤمنين علي(عليه السلام) عندما قال وهو الذي يأتي في أعلى قائمة علماء التنمية البشرية بل وأعظمهم: “إِنْ لَمْ تَكُنْ حَلِيماً فَتَحَلَّمْ فَإِنَّهُ قَلَّ مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ إِلَّا أَوْشَكَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ“. (المصدر: نهج البلاغة).
والمقصود من كلام الإمام إن تظاهرت بشيء وإن كان تشبّهاً وتصنّعاً ليس إلّا؛ فلا تستهين به أبداً، لأنّ القلب سيتأثّر وبمرور الزمن بتكرار التشبّه وستتأصّل فيك الصّفة الّتي تظاهرت بها وتصبح حقيقيّة وترسخ في كيانك .
ذكر السيّد هادي المدرّسي في كتابه التنموي (فنون السعادة): "إنّ التّظاهر بالشّيء يؤدّي إلى التطبّع به".
إن “تظاهرت بالحب“، وتكرّر إهتمامك لذلك الشّخص المعنيّ حتّى ولو لم يكن الحبُّ نابع من أعماق قلبك؛ فسيصبح حقيقة في معظم الأحيان.
نعم، كلّما زاد اهتمامك به اشتعلت شرارة الحبّ في قلبك قبل قلبه.. وبالتالي في قلبه أيضاً، لإنّك بأفعالك تعطي رسالة غير مباشرة لعقلك بأنّك مهتمٌّ لهذا الشّخص؛ فيقوم العقل بأعطاء رسالة للقلب؛ بما أنّني مهتم به فإننّي أحبه..! "فيتقلّب القلب".
نعم فـ “الأفعال” هي التي تولّد وتُشعِل المشاعر المكنونة داخل القلب، وطيب المعاشرة هي الّتي تجلب المحبة .
يقول جيمس د. ليرد الطبيب النفساني في جامعة كلارك: "أظهرت الدّراسات الواسعة أنّ تصرّفنا يقولب عواطفنا".
إذاً “الأفعال” هي الوقود الرئيسي والمحرّك المركزي "للقلب والعواطف".
أمّا من يواجه الأشخاص ببرود وجفاف ولا مبالاة في المعاملة، فليس من حقه بعد ذلك أن يطالبهم بالإهتمام والمحبة .
فالحياة تبادلك بما تعطيها، فإذا كنت ودوداً ستلتقي في أغلب الأحيان وتصادق أناساً ودودين، وإذا كنت جافاً في التّعامل عاد إليك الجفاف عن طريق الآخرين .
وهذا مايسموه بـ“الذّكاء العاطفي” أي أن أعرف عواطفي وكيفيّة التّحكم بها، ولكن كيف؟.
فقط يجب أن تبدأ “بالمبادرة”. قال تعالى: “إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ“ (سورة الرّعد). الآية واضحة وصريحة، فلنضع كلمة “يغيّروا“ تحت المجهر، ما معنى “يغيّروا”؟
الله سبحانه يعطيك إيحاء في كتابه العزيز أي أنّك قادر.. قادر على التّغيير.. وإذا ربُّ العالمين لم يجعل للإنسان قابليّة للتّغيير هل يقول “حتى يغيّروا”؟! فــ الله سبحانه خلقك وخلق معك قابليّة للتّغيير.
نعم، التّغيير ليس سهلا.. يحتاج فترة من الزّمن من خلال مراقبة النّفس ومحاسبتها كلّ يوم، لترسخ الصّفات التي أردناها وغيّرناها فينا؛ لتصبح بعد ذلك عادة، أي بشكل لا شعوري وعفوي تسطع منّا.
فإذا شعرت لأيّ سبب من الأسباب، ببرود إتجاه أحبّتك إطرد هذا الشّعور وتظاهر بخلافه، ولا تدع المحبة لهم والإهتمام بهم تفارقك لكي لا تخسرهم .
فسرعان ما تجد الشرارة تشتعل من جديد محبّةً بينك وبينهم، حينئذٍ ستجد السّعادة طريقها إلى "قلبك".
فـ على عكس الإعتقاد السّائد؛ إنّ الوقوع في الحب ليست ظاهرة عشوائية غير محكومة بقوانين! وإنّما هي شئ يمكن السّيطرة عليه بل وحتى والتّغيير فيـه من خلال "أفعالنا".
إنَّ لدى الإنسان قدرات هائلة لا يعلمها في التّحكم بجميع أموره والسّيطرة عليها، حتّى بـ"قلبه".
ونحن مسئولون عن تحقيق فعّاليتنا الخاصّة من أجل تحقيق سعادتنا، بل سأقول من أجل معظم الظّروف التي نمرُّ بها .
اضافةتعليق
التعليقات