وضعت قوانين الارض من اجل تيسير حياة الناس وفرض العدالة واستقامة الانسان وكف الشر عن الغير، لكنها لم تحط كل المساوئ فنراها ناقصة عاجزة امام قوانين الرب التي شملت كل جرم وعاقبة يقوم بها بني البشر حتى الهمزة واللمزة، سبحان رب العزة الحاكم العالم القادر على تطبيق عدالته فيقول جل وعلا: وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ.
فأين مساوئ الهمز واللمز مع الاجرام والقتل وسفك الدماء والسرقة والحروب التي طحنت قبائل وشعوب وهجرت نساء واطفال؟؟
وما معنى كلمة الويل؟
ولماذا البلاد الاسلامية ترتفع بها صفات النميمة والغيبة وسوء الظن؟
اجابنا الشيخ فاضل الجشعمي قائلا: (وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم) يروى ان محمدَ بن المكدر عندما حضرَته المنية بكَى، فقيل له مايُبكيك؟ فقال: واللهِ ما أبكي ذنباً أذنبتُه، لكنني أخشى أن أكون أتيتُ شيئاً حسبتُه هيناً وهو عند الله عظيم..
للاسف أخذتنا دوامة الحياة وايقاعها السريع ونسينا الانتباه لما نتفوه بهول ما تذيعه السنتنا، وانغمسنا بإرضاء انانيتنا وكرهنا ونزواتنا وركضنا وراء ملذاتنا وماتمليه علينا رغباتنا حتى اصبحنا من اكثر شعوب العالم نميمة، نتدخل في ما لايعنينا ونسيء الظن بكل حركة لا نفهمها او لاتعجبنا من الاخر، نحن نحاسب القتلة والسراق ونظنه الجرم الاكبر لكننا لا نفقه ماتفعله السنتنا، فقد قتلت البريئة؟، وتطلقت الزوجة، وانتهكت الأعراض؟، وزهقت الأنفس؟، واغتصبت الاموال ظلما وبهتانا، وتقطعت الأرحام واشعلت بينها العداوة، وسببه اللسان ومايبثه من نميمة وفتنة وسوء الظن.
وذكرها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في حديث شريف: (إياكم والغيبة فإنها أشد من الزنا لأن الرجل يزني فيتوب، فيتوب الله عليه وإن صاحب الغيبة لا يغفر له إلا إذا غفرها صاحبها).
ووعدهم الله بالويل فقال تعالى: الويل للهمز واللمز.
والويل هو واد في جهنم يهلك به الهماز واللماز ولهم فيه مقر، ويقال يُدعَىبِهَا على من وقع في هلاكٍ وشرٍ يستحقهُ، أما الهماز فهو من يذكر الناس بالقول بما يكرهون بغيابهم ويطعن بأعراضهم واخلاقهم.
واللماز فهو ما يقوم به بالفعل كالاشارة او حركات الوجه وغيره يدل به على الاستهزاء والاستحقار، وأقول للأسف وألف مرة للأسف رغم كل ما ذكر في القران الكريم واحاديث الرسول بقى المسلم يغتاب اخيه دون محاسبة ضمير بل ازداد تلذذا بها.
المرشدة التربوية وفاء المصلحي في مدرسة (العذراء) للبنات قالت: يقول حسن البصري إن الغيبة هي (فاكهة النساء) وأنا اتفق مع هذا الكلام مع العلم ان الرجال لا يخلون من النميمة وسوء الظن، وهي موجودة بمختلف الطبقات الاجتماعية ولا تتأثر بالحالة المادية والثقافية كثيرا فهي تنغرس وتتشعب في نفس البشر سهوا سواء بتأثير رفاق السوء او البيئة التي ترعرع بها، فتنخر نفوسهم وتزدهم قسوة، وسبب أرتفاعها في المجتمعات العربية هو حكم التقاليد والاعراف التي تقيد تحركات الفرد وكلامه وملبسه وأصبح احدنا يراقب الاخر وينتقد كل تغيير يطرأ عليه والبعض يبالغ بالكلام ويضيف عليه ويذكر عيوب المؤمن المستورة عنا فتتحول الى نميمة وسوء ظن وغيبة كذلك بعض العقول يصدقون كالاشاعة ترد اليهم دون تدقيق.
وبواعثها هو الحسد والكره والغيرة وتضارب المصالح فيؤخذ انصاف الحقائق او انعدامه لتلفيق الاخبار والقصص فتتناقلها الالسن كالنار في الهشيم!، فكم من زوجة كالت وهالت لتبعد الابن عن امه وكم اخٌ فارق اخاه وكم فتاة لم تتزوج بسبب تشوه سمعتها، وهذه المشاكل الاجتماعية وغيرها التي يخلقها المغتاب او يساهم باشعالها تعادل القتل والسرقة واحيانا تفوقهما جسامة فتوعدهم الله بالويل والعقاب الشديد لمن يتبع وسيلة الهمز واللمز.
فقد روي عن الرسول انه مرَّ صلى الله عليه واله وسلم ليلة عرج به بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، قال: فقلت: "من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم".
الحاجة ام علي تقول: يقولون انها الفاكهة المحرمة لكنها لذيذة وتغري الناظرين وهو داء خبيث يتمسك بضعاف الدين والعقل فكلما ضعف الوازع الديني ضعفت معه كل الصفات الحسنة واشرأبت الصفات السيئة وأين ماتجمع الناس سواء بالمناسبات او في المجالس كثر القيل والقال بينهم ولاحظت ان من الاماكن التي يكثر بها النميمة والغيبة في بعض الصالونات فصاحبة الصالون تكون مثل الرادار تلتقط وتبث وتزيد وتقلل وتقلب وتعدل بحسب مزاجها فمنهن من تظن انها وسيلة لانجاح عملها واخرى تنجرف بهذا الطريق دون علمها ولم تتدارك نفسها او تراجع حساباتها حتى تصبح عادة وطبيعة في نفسها.
الغيبة وسوء الظن صفات تفتك بالمجتمع وتسهم بالتفرقة بين المسلمين وتخلق العداوة والبغضاء بين اهل البيت الواحد وكما يقال (تزيح اللحم عن العظم) ومعالجتها لا تحتاج الى قرار وزاري او برلماني وانما طرق سهلة تبدأ من الرغبة لدى المسلم بالتوبة النصوحة ومحاسبة النفس وحفظ اللسان وكثرة الاستغفار والاستعاذة بالله من الشيطان والابتعاد عن مجالس النميمة وردع المغتاب ونصحه، والتمعن وفهم واستشعار وحفظ الاية الكريمة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِمَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ} لتكن نصب اعيننا وتزرع في قلوبنا وحاجز لألسنتنا.
اضافةتعليق
التعليقات