ظهرت الهشاشة النفسية بين جيل المراهقين لأسباب كثيرة، من أهمها عدم تحمل هذا الجيل للمسئوليات منذ صغره، حتى في أبسط الأمور، وتعوده الدائم على الاعتماد على غيره في إنجاز أهدافه، أو مذاكرة دروسه، أو إنهاء مشاغله.
هذا الانفكاك الكامل بين خبرة الشاب أو الفتاة وبين الحياة الحقيقية تجعله أكثر دلالًا، وأكثر انهزاما أمام الضغوط. ولذا يقول نسيم طالب: (كما أن قضاء شهر كامل في السرير يؤدي إلى الضمور العضلي، فكذلك الأنظمة المعقدة تضعف، وأحيانا تموت بالكامل، عندما تخلو من الضغوطات.. هذه هي مأساة الحداثة، كما هي مأساة الآباء المفرطين في الدلال: أولئك الذين يحاولون مساعدتنا هم أكثر الناس في الغالب الذين يؤذوننا) .
والمحصلة الأخيرة في نهاية المطاف أننا أمام جيل غير ناضج البتة حتى في أشد فترات عنفوانه وشبابه بسبب عدم تحمله للمسئولية، ينهار أمام أي موقف ويتحطم مع أي أزمة. هذا الجيل الذي ينضج بطيئًا ويتحطم سريعًا حتى وهو في العشرينيات من عمره، كانت الأجيال السابقة في نفس العمر تمتلك قدرًا أعظم من النضج النفسي والذهني ما أهلها لتكون
عائلات وتتحمل مسئوليات في أعمار أصغر، وطوروا مرونة نفسية هائلة تتفوق على نظيرتها في جيل المراهقين الحالي.
وفي هذا الأمر تقول جين توينج أظهرت العديد من الدراسات لتطور المخ أنَّ القشرة الأمامية Frontal Cortex، وهي منطقة المخ المسئولة عن الحكم وصنع القرار، لا تكمل تطورها حتى سن 25 عاما.
هذا الأمر أفرز فكرة أن المراهقين ليسوا على استعداد ليكبروا، ومن ثم يحتاجون إلى مزيد من الحماية لفترة أطول. ومن المثير للاهتمام أن تفسير هذه الدراسات يبدو أنه تجاهل الحقيقة الأساسية لبحوث الدماغ:
أن المخ يتغير على أساس الخبرة. ربما يملك المراهقون والشباب الصغير اليوم قشرة أمامية غير مكتملة النمو بعد بالفعل لأنهم لم يُعطوا مسئوليات الكبار. لو كانت الماسحات الدماغية موجودة في عام 1980م، أتساءل كيف كانت النتائج، ستظهر لجيل كان يبدأ العمل وهو ذو 18 عامًا، ويتزوج وهو ابن 21 عامًا، ويصبح لديه أطفال بعد فترة وجيزة ؟
انطلاقا من هذه المعضلة - أي الهشاشة النفسية للمراهقين ذوي العشرين عاما - نادت الكاتبة الأسترالية كارين فاريس بتدريب أنفسنا على المرونة النفسية، وتذكر أنَّ هذا الأمر له عدة فوائد إذا حققناه وثابرنا عليه.
ومن الفوائد التي ذكرتها فاريس:
(1) تحسن صحتنا النفسية والذهنية.
(2) تحسن الأداء الإدراكي المعرفي.
(3) الحفاظ على الهدوء الداخلي في المواقف المجهدة.
(4) النظر إلى الحياة على أنها سلسلة من التحديات لا المشاكل.
(5) الاستقرار في مواجهة الأزمات.
(6) القدرة على الثبات والازدهار في حالات الضغط المستمر.
(7) القدرة على الارتداد إلى الوراء والتعافي بسرعة من الانتكاسات.
(8) وأخذ العبرة من الإخفاقات والنكسات التي تعد فرصا للتعلم.
هنا يمكننا النظر إلى حديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم)، الذي يضيف إليه البعض عبارة: (وإنما الصبر بالتصبر). والمقصود أن الإنسان ينبغي أن يحمل نفسه على تحمل المشاق وركوب الأهوال وتجاوز المشاكل، وقد علق الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين، على هذه النقطة، ذاكرًا أن كل إنسان يمكنه أن يغير من نفسه بالفعل، فقال: ((لَوْ كَانَتِ الْأَخْلَاقُ لَا تَقْبَلُ التَّغْيِيرَ لَبَطَلَتِ الْوَصَايَا وَالْمَوَاعِظُ وَالتَّأْدِيبَاتُ، وَلَمَا قَالَ رَسُولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم): حَسّْنُوا أَخْلَاقَكُمْ! وَكَيْفَ يُنْكَرُ هَذَا فِي حَقِّ الْآدَمِي وَتَغْيِيرُ خُلُقِ الْبَهِيمَةِ مُمْكِنُ إِذْ يُنْقَلُ الْبَازِي مِنَ الإِسْتِيحَاشِ إلى الأنس، والكلب من شره الأكل إلى التأدب والإمساك والتخلية، وَالْفَرَسُ مِنَ الْجِمَاحِ إِلَى السَّلَاسَةِ وَالإِنْقِيَادِ، وَكُلُّ ذَلِكَ تَغْييرٌ لِلْأَخْلَاقِ)).
تقدم جين توينج خلاصة نصائحها للشباب والفتيات حول هذه النقطة، وتوصيهم بالخروج إلى الشارع وطرح هواتفهم الذكية جانبا، أن تعمل في وظيفة، أن تقود سيارتك وربما تقضي مشاغل أصدقائك أو عائلتك، أن تتحمل مسئولية نفسك بشكل كامل وتستقل ماديًا عن أهلك، أن تتولى مهام شراء حوائج البيوت وإعانة الفقراء والمساكين والمحتاجين.
بالإضافة إلى احتكاكك بالناس الكبيرة وذوي الخبرة في الحياة وأصحاب الإنجازات الكبيرة..
كل هذه الأمور تضيف إلى رصيد إدراكك بواقع الحياة، فتحسن من مهاراتك الاجتماعية، وتضيف إلى خبرتك في التعامل مع المشاكل وإدارة الوقت، وتنظيم الأولويات، وترتيب حياتك، الأمر الذي يؤهلك للنضج النفسي لتكون مستعدًا بشكل أكفأ لطبيعة مرحلة الرشد
اضافةتعليق
التعليقات