تعتبر مشكله هجرة العقول أو الادمغة من المشكلات التي تعاني منها الدول العربية وتمثل هجرة الكفاءات العلمية الى الدول الغربية اخطر انواع الهجرات على تطور وتقدم المجتمعات العربية. حيث يراود حلم الهجرة الملايين في العالم العربي، فخمس السكان على الأقل في 14 دولة عربية يفكرون في الرحيل، أيا كانت الوسيلة أو الوجهة، وتحديدا في الأردن والسودان وتونس.
وتابع برنامج "للقصة بقية" (2023/7/31) ظاهرة هجرة العقول؛ إذ أعرب أكثر من نصف السكان تقريبا عن رغبتهم في الهجرة، والأكثر حرصا على هذه الهجرة هم الحاصلون على شهادات جامعية ومستويات تعليمية أعلى.
وورد في تقرير للبرنامج أن ما يثير القلق في الدول العربية تهديد هجرة الأدمغة عمليات التنمية في ظل معدلات أمية عالية في العالم العربي تصل في بعض التقديرات إلى أكثر من 27%. وتشير دراسات عدة إلى أن العالم العربي خسر جراء هجرة الأدمغة ثلث طاقته البشرية، وما يقارب 50% من هؤلاء أطباء متخصصون، و23% تقريبا من المهندسين، والبقية من مجالات مختلفة.
أما الوجهة فكانت دول أوروبا وأميركا الشمالية وأستراليا، كما تشير الدراسات أيضا إلى أن 54% من الطلاب العرب الذين يسافرون للدراسة لا يعودون إلى أوطانهم بحثا عن فرص العمل.
هجرة الأدمغة أو هجرة العقول
هو مصطلح يطلق على هجرة العلماء والمتخصصين في مختلف فروع العلم من بلد إلى آخر طلباً لرواتب أعلى أو التماساً لأحوال معيشية أو فكرية أفضل. وعادة ما تكون هجرة الأدمغة من البلدان النامية إلى البلدان المتقدمة. وقد قامت الجمعية الملكية البريطانية بابتداع مصطلح "هجرة الأدمغة" لوصف هجرة العلماء من المملكة المتحدة إلى الولايات المتحدة وكندا في خمسينيات وستينيات القرن العشرين الميلادي.
هناك عدة أنواع من هجرة الأدمغة:
التنظيمي: هروب الموظفين الموهوبين والمبدعين والمؤهلين تأهيلاً عاليًا من الشركات الكبيرة، والذي يحدث عندما يرى الموظفون أن اتجاه الشركة وقيادتها رجعية أو غير مستقرة أو راكدة، وبالتالي غير قادرين على تلبية طموحاتهم الشخصية والمهنية.
الجغرافي: هروب الأفراد المدربين تدريباً عالياً وخريجي الجامعات من مناطق إقامتهم.
الصناعي: حركة العمال ذوي المهارات التقليدية من قطاع من الصناعة إلى آخر.
كما هو الحال مع الهجرة البشرية الأخرى، غالبا ما تعتبر البيئة الاجتماعية سببا رئيسيا لهذا التحول السكاني. في بلدان المصدر، يساهم الافتقار إلى الفرص، وعدم الاستقرار السياسي أو القمع، والكساد الاقتصادي، والمخاطر الصحية والمزيد (عوامل الدفع ) في هروب رأس المال البشري، في حين أن البلدان المضيفة عادة ما توفر فرصا غنية، واستقرارا سياسيا وحرية، واقتصادا متقدما و ظروف معيشية أفضل (عوامل الجذب) التي تجذب المواهب. على المستوى الفردي، يمكن أخذ التأثيرات العائلية ( الأقارب الذين يعيشون في الخارج، على سبيل المثال )، بالإضافة إلى التفضيلات الشخصية والطموحات المهنية والعوامل المحفزة الأخرى في الاعتبار.
هجرة الأدمغة من العالم العربي
حسب بحث صدر سنة 2011 م، فإن 50% من الأطباء، و 23% من المهندسين و 15% من العلماء في البلدان العربية يهاجرون، متجهين بوجه الخصوص إلى أوروبا وأمريكا الشمالية . كما أن ما يقرب من 54% من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلدانهم.
أسباب هجرة الأدمغة
تتعدّد الأسباب التي تؤدّي إلى هجرة الأدمغة من بلدها إلى بلدان أخرى ولكن يُمكن تقسيمها إلى قسمين رئيسيّين؛ أولهما الأسباب الدافعة للهجرة من البلد الأم والتي تتضمّن ضعف الإمكانيات والموارد فيه، وسوء الأحوال الاقتصادية، وارتفاع نسب البطالة، وضعف الإمكانيات البحثيّة والعلميّة، وأحياناً قد تتضمّن عدم الاستقرار السياسيّ أو عدم الأمان المعيشيّ، أمّا القسم الآخر فيتضمّن الأسباب الجاذبة لهجرة الأدمغة؛ وهي أسباب متعلّقة بالبلد الذي يجذب العقول إلى الهجرة إليه، إذ توفّر البلدان الجاذبة فرص عملٍ أكثر برواتب أفضل، وسقفاً أعلى للحريّة الفكريّة، بالإضافة إلى الغِنى الثقافيّ لهذه البلدان، وتطوّر الأنظمة التعليميّة فيها، وتوفير نوعيّة حياة أفضل للأشخاص ذوي المهارة والعلم.
بالأضافة الى ذلك هناك العديدُ من الأسبابِ التي تُؤدِّي إلى هجرةِ الأدمغةِ، منها:
عدمُ توفيرِ الدولةِ للتسهيلاتِ والمزايا التي من شأنِها أن تدعمَ الأشخاصَ أصحابَ العقولِ والمهاراتِ.
سوءُ البنية التحتيّة في الدُّوَلِ، وخاصّة النامِية منها، مثل أنظمة النَّقْلِ التي تتسبَّبُ في الازدحام والأزمات الخانقة في ما يتعلّق بحركة المرور.
عدمُ الشعورِ بالراحةِ والطمأنينةِ؛ حيثُ يَنتقِلُ الأشخاصُ إلى دُوَل أكثر استِقراراً.
ارتفاعُ نسبةِ البطالةِ والفَقرِ؛ وهذا ما يُسبِّبُ ارتفاعاً في مُعدَّلِ الجرائم؛ وبالتالي يلجأُ الأشخاصُ للبَحثِ عن دُوَل أكثرَ أمناً.
قِلَّةُ الفُرَصِ؛ ممّا يُشجِّعُ على الهجرة والانتقال؛ للعملِ في الخارج، إضافةً إلى الدَّخلِ المُرتفِعِ الذي تُقدِّمُه الدُّوَلُ المُضيفةُ.
طموحُ الكثير من أصحابِ الأدمغةِ؛ لتحسينِ مهنتِهم، أو إكمالِ دراستهم، وهو الجانبُ الذي يعودُ إلى التفضيلِ الشخصيِّ.
تشجيعُ الأسرة، والأقارب، سواء كانوا يقيمون داخلَ البلدِ، أو خارِجَه، لفكرةِ الهِجرةِ؛ ممّا يشكِّلُ تأثيراً كبيراً.
التمييزُ في التعييناتِ، وكذلك الترقِيات التي تَحدُثُ في المُؤسَّسات، وأماكن العملِ.
عدمُ تَوفُّرِ الموارِدِ الكافِية لإجراء البحوثات، بالإضافة إلى عدمِ تَوفُّرِ الأجهزةِ، والأماكنِ المُناسِبةِ.
عدمُ وجودِ أثرٍ للديمقراطيّة، والحُرِّية الأكاديميّة، إضافةً إلى انتشارِ الفساد، وانعِدامِ الحُرِّيةِ والاستقلاليّة.
سوءُ البُنيَةِ التحتيّةِ للتعليم، وقِلَّةُ الفُرَصِ لطُلّابِ الدِّراسات العُليا.
انعِدام الاستقرار من الناحية السياسيّة، وما يَتبعُ ذلك من انخِفاضٍ في نوعيّة الحياة، ونَقْصٍ في الرعاية الصحيّة، ونَقْصِ الفُرَصِ الاقتصاديّة؛ ممّا يَدفعُ أصحابَ العقولِ والموهوبين إلى تَرْكِ البلادِ، والبَحثِ عن أماكنَ تُوفِّرُ لهم فُرَصَ معيشةٍ أَوفَر.
أسباب هجرة الأدمغة العربية
يعاني العالم العربي والشرق الأوسط وشمال إفريقيا على وجه الخصوص من هجرة الكفاءات العلمية لأسباب عديدة منها:
الجانب المعيشي.
قلة مجالات البحث العلمي لحاملي الشهادات والكفاءات، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة وميل الشباب للبحث عن بدائل في الخارج.
عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي.
عدم قدرة المجتمع على استيعاب الطاقة الإبداعية.
عدم وجود عدد من الوظائف في العديد من التخصصات مثل: علم الذرة، الدراسات الجيولوجية.
آثار هجرة الادمغة
الآثار السلبيّة لهجرة الأدمغة
تتنوّع الآثار السلبيّة التي تتركها هجرة الكفاءات والأدمغة في شتّى المجالات، ومن أبرزها ما يأتي: توسُّع الفجوة بين الدول المُتقدِّمة الجاذبة والدول الأصليّة.
تبعيّة الأدمغة والكفاءات ثقافيّاً للدول التي هاجروا إليها، وتخلّيهم عن عاداتهم وتقاليدهم، وبالتالي التأثير سلباً في هويّاتهم.
التكلفة المرتفعة لاستقطاب الكفاءات الأجنبيّة التي ستسدُّ النقص الحاصل في البلد الجاذب وتدريبهم على طبيعة العمل فيه.
ضعف إجراء البحوث العلميّة، ممّا يعني تبعيّة الدول الفاقدة للكفاءات للدول الجاذبة لها. الخسارة الماليّة الكبيرة المُتمثّلة بالموارد الوطنيّة التي تمّ إنفاقها في سبيل تعليم الكفاءات قبل هجرتهم.
عرقلة التطوُّر الفكري والتعليمي في البلد الذي تُهاجر منه الكفاءات، والتأثير في عمليّات التنمية، وزيادة المهام والأعباء على الأفراد المُتبقِّين، ممّا قد يؤدّي إلى فتورهم، وشعورهم بالإرهاق، وضعف إنتاجيّتهم.
فقدان نسبة كبيرة من القوى المُنتِجة في الميادين المختلفة ممّا يؤثر سلباً في اقتصاد البلد الذي تُهاجر منه الأدمغة.
تراجع المستوى الاقتصاديّ، والصحّي، والاجتماعيّ في البلد الذي تُهاجر منه الكفاءات؛ نتيجة فقدان العلماء والمُتخصِّصين في هذه المجالات.
الآثار الإيجابيّة لهجرة الأدمغة
هناك عدّة آثار إيجابيّة لهجرة الأدمغة على الرغم من كثرة الآثار السلبيّة الناتجة عنها، ومن هذه الإيجابيات ما يأتي:
التحويلات الماليّة وزيادة الأموال التي يُحوّلها الأفراد إلى الدول الأصليّة ممّا يدعم عمليّة التنمية.
تبادل المعرفة ونقلها إلى الدول الأصليّة عبر المؤتمرات والمشاركة في المشاريع العلميّة.
دفع عمليّة التطوُّر واستخدام التكنولوجيا، وتوفير الدعم اللازم للتنمية في الدول المُستقطِبة للكفاءات والأدمغة.
احتمالية عودة المهاجرين إلى أوطانهم بعد اكتسابهم المهارات اللازمة لعمليّة التنمية بما يصبّ في مصلحة أوطانهم.
الحدّ من هجرة الأدمغة
يُمكن الحدّ من الآثار السلبيّة لهجرة الأدمغة عن طريق فرض البلد الذي يُعاني من هذه الظاهرة سياسات تشجيعيّة للكفاءات التي تعود إليه، ومحاولة تسخير خبراتهم ومهاراتهم لصالح البلد وبما يُحقّق رضاهم، لكن هذه الخطوات رغم تقليلها من الآثار السلبية لظاهرة هجرة الأدمغة إلّا أنّها لا توقِفها نهائياً ولا تُنهي كافّة الآثار الاقتصادية والتنموية المترتّبة عليها، إذ تحتاج البلدان المتضرّرة من هذه الظاهرة إلى تضافر كافّة الجهود المحليّة وتعاون المؤسسات الحكومية وغير الحكوميّة؛ لاستقطاب كفاءات من دول أخرى وتعويض النقص الحاصل في الكفاءات المحليّة، ومن الأمثلة على الإجراءات التي تحدّ من ظاهرة هجرة الأدمغة ما يأتي:
توفير فرص اقتصاديّة حيويّة ومُشجّعة: من أهمّ عوامل هجرة الكفاءات عدم توافر الفرص الوظيفيّة في بلدهم الأمّ، وإذا توافرت هذه الفرص فإنّها قد لا تكون برواتب مناسِبة لمستوى المعيشة، لذا يجب إنعاش الاقتصاد ومنح الكفاءات فرص وظيفية مشجّعة للبقاء والإنجاز في البلد الأم.
توفير بيئة سياسيّة واجتماعيّة مستقرّة: يُشجّع إحساس الكفاءات بالثقة بأنّ بلدهم خالي من الفساد ويتّجه في مسار واضح إلى التطوّر والازدهار على البقاء فيه واستثمار إمكانيّاتهم ومهاراتهم على أرضه؛ لذا فإنّه يجدر بالبلد المتضرّر من هجرة كفاءاته توفير بيئة سياسية مريحة وآمنة، ومساحة اجتماعيّة حيويّة تُعزّز ثقة الكفاءات بمستقبل البلد.
تعزيز الإحساس بالهويّة الوطنيّة: من الغايات المهمّة التي يجب أن تسعى الدول المتضرّرة من هجرة الأدمغة إلى الوصول إليها هي بناء هويّة ثقافية قويّة وتعزيز قيم المواطنة لديهم؛ ممّا يدفع الكفاءات للنهوض ببلدهم والسعي إلى تطويرها بكلّ ما يمتلكون من مهارات وإمكانيّات.
فهجرة الأدمغة أحد الأمراض التي تنخر في المجتمعات النامية والدول العربية لذا يجب العمل على الحد من هذه الهجرة بكل الطرق والأساليب المتاحة وتشجيع الفرد على البقاء في بلده، وهذه الطرق والأساليب تختلف باختلاف البلد وطبيعته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
اضافةتعليق
التعليقات