تمارس جميع الأساليب التي تستثير العاطفة تأثيرا تلقائيا فينا على مستوى اللاشعور.
يتفق جميع من في صناعة الإعلان على أن العاطفة تحتل موقعا مهما في الإعلان، وقد ثار الكثير من الجدل حول «سبب» تلك الأهمية. ينظر المبدعون إلى العاطفة باعتبارها مكونا مهما من مكونات الإبداع، بل وتُعَدُّ الاستجابة العاطفية لأحد الإعلانات جزءًا حيويًا على ما يبدو في عملية التواصل الناجح، وبالنظر إلى أسلوبي (كوفر) المختلفين في جذب الانتباه – بالإجبار تارةً وبالتأثير العاطفي تارة أخرى .
يصبح من الجلي أن كلا الأسلوبين يعتمدان في الأصل على العاطفة في نجاحهما. ولكن، كيف نتعامل بالضبط مع المضمون العاطفي في الإعلان؟ قبل خمسة وثلاثين عامًا، كان علماء النفس يظنون أننا نتعامل مع مشاعرنا من خلال أفكارنا، وأن الشعور والعاطفة بالتالي يعقبان المعرفة شاكتر وسينجر، ومن عدة نواح، يبدو هذا الأمر منطقيا إلى حد كبير، فالأفكار هي التي تجعل الإنسان واعيًا بما يشعر به في أي وقت؛ لذلك فمن المفترض أن الأفكار هي التي تنشأ أولا.
ولكن يتضح أن ما يحدث فعليًا يختلف عن هذا تماما، ففي عام ١٩٨٠ أتى أول تحد للاعتقاد القائل بأن العاطفة تلي المعرفة من قبل زايونتس، ذهب زايونتس تعقب المعرفة. في بادئ الأمر، أوضح زايونتس أن الاستجابات الوجدانية (العاطفية) أولية بطبيعتها، بمعنى أنها أول ما ينشأ في أي عملية تفكير؛ فقد أشار إلى أنه «عندما نحاول تذكر أو فهم أو استرجاع حدث أو شخص أو مقطوعة موسيقية أو قصة أو اسم أو أي شيء، تكون السمة العاطفية للمدخل الأصلي أول عنصر يظهر» (زايونتس).
مثلا، أتذكر أنه منذ نحو ستين عامًا تعرضت للتوبيخ لأنني كنتُ فظا مع البستاني الذي كان يعمل في حديقة والدي. لا أعلم بالضبط ما تفوهت به، ولكني ما زلت أذكر إلى الآن الشعور بالخزي والذل الذي صاحب الموقف.
أشار زايونتس أيضًا إلى أن الاستجابات العاطفية لا يمكن تجنبها «فقد يتمكن البعض من التحكم في التعبير عن مشاعره، ولكن لا يمكنه تجنب الإحساس بها على الإطلاق» (زايونتس). لو فكرنا في الأمر للحظة لتأكدنا من صحة ذلك. فعلى سبيل المثال، إن ذهبت إلى جنازة أحد أصدقائك وسمعت خطبة عن المتوفى، فلا يمكنك التحكم بما ينتابك من حزن حتى وإن استطعت منع نفسك فعليا من البكاء.
وبالمثل، عندما تستمع إلى نكتة ظريفة ولكن غير مهذبة نوعا ما، فربما تكون قادرًا على منع نفسك من الضحك، بل ربما تكون قادرًا على إخبار نفسك بعد ذلك بأن النكتة لم تكن مضحكة بالفعل، ولكنك لا تستطيع أن تمنع نفسك من الشعور بأنها مضحكة في المرة الأولى التي سمعتها فيها.
ثالثا: أوضح زايونتس أن الاستجابات العاطفية يصعب التعبير عنها لفظيا، فهي تعتمد عمومًا على وسائل التعبير غير اللفظية زايونتس . فعلى سبيل المثال، عندما تقابل أحدًا فإنك تعلم على الفور إن كنت تحب هذا الشخص أم لا، ولكن يكاد يكون من المستحيل أن تفهم من الناحية الإدراكية سبب حبك له. وإن سألك أحدٌ لِم تحب هذا الشخص؟ فإن الإجابة تتلخص في صفات مثل أنه شخص «لطيف» أو «مرح» أو «مثير للاهتمام». ولكن بناءً على ما جاء على لسان زايونتس، «فإن تلك الصفات توضح ردود أفعالنا إزاء هذا الشخص ولا تصف الشخص نفسه، ولا تُعَدُّ تلك الصفات وسائل لفظية دقيقة للتعبير عن سبب إعجابنا ببعض الأشخاص والأشياء وما يعجبنا فيها» (زايونتس).
أبدى زايونتس أيضًا بعض الملاحظات بخصوص عملية التواصل، فأشار على سبيل المثال إلى أن «الفشل الذريع في تحقيق تغيير ملموس في السلوك من خلال الأنماط المختلفة للتواصل أو الإقناع يُعَدُّ مؤشرًا إلى أن العاطفة مستقلة إلى حد كبير ولا تتأثر بالمعرفة في أغلب الظروف» زايونتس، واختتم زايونتس ملاحظاته بالإشارة إلى أن المعرفة والعاطفة تعتمدان على أجهزة نفسية وبيولوجية منفصلة. صقل جوزيف لودو (۱۹۸۸) تلك الفكرة لاحقا، فافترض أن هناك دائرتين عاطفيتين تعملان في حالة من التوتر أولاهما: الاستجابة السريعة التأثير التي تمر بجوار قشرة الدماغ المسئولة عن جزء المعرفة وتسمح لنا بالاستجابة السريعة في المواقف التي تنطوي على أي تهديد.
وثانيتهما : دائرة الاستجابة بطيئة التأثير التي تمر من خلال قشرة الدماغ وتنتج تقييما مفصلا عن المعنى العاطفي للموقف وتسمح لنا أيضًا بالتصرف في تلك المواقف على النحو الأنسب.
فسر لودو النظامين من خلال شرح رد فعل أحد الأشخاص إِنْ شَاهَدَ عصا وحسبها ثعبانا على ممر في الأدغال، فالصدمة الأولى تولد استجابة سريعة التأثير متمثلة في القفز إلى الوراء والتصبب عرقا.
ثم تتعرف الاستجابة المعرفية بطيئة التأثير على الشيء باعتباره عصا ويهدأ روع هذا الشخص. يُلاحظ أن كلتا الاستجابتين يمكن أن توصفا بأنهما نوع من «الإثارة»، ولكن الاستجابة الأولى غريزية بطبيعتها والثانية يدفعها الإدراك أو المعرفة.
يستشهد القائمون على صناعة الإعلان بأفكار لودو على نطاق واسع، ولكن جدير بالذكر أنه قد تم تطوير هذا النموذج خصيصا لتوضيح الاستجابات المرتبطة بالتوتر. تنشأ هذه الاستجابات للعاطفة الشديدة الوطأة من آن لآخر في بعض أنواع
الإعلانات (مثل إعلانات الخدمة العامة)، لكن قلما يكون ذلك المضمون العاطفي الشديد حاضرا في الإعلانات الخاصة بعلامات تجارية.
اضافةتعليق
التعليقات