كشخص في متاهة يصطدم بجدرانها المغلقة، تحاكي سعاد خيبة الامل في كل مرة، تنظر من فوق شرفة منزلها بيأس يفوق السبع درجات بمقياس ريختر، لملمت افكارها المندثرة كحطام طائرة اصطدمت ببرج عالي، ودخلت مسرعة تفكر في آخر شيء قالته لها عمتها عندما كانتا يتناولان طعام الغداء في مطعم يقع فوق احد الأبراج العالية ان تاريخ ميلادك غير صحيح لقد ولدتي قبل عدة اشهر من التاريخ المكتوب في بطاقتك، ولكن بسبب سوء الاوضاع والحرب المندلعة في تلك الاثناء تأخر والداك في انشاء بيان ولادتك عدة اشهر.
أيعقل ان تبلغ سعاد ما يزيد عن الربع قرن وهي غافلة عن هذا الموضوع.
وقفت أمام مكتبتها المملوءة بكتب الأبراج والجرائد والمجلات الحاوية عليها، أخرجت مذكراتها لسنين سبقت، تقلب أوراق أصبحت سمراء مائلة للصفرة، تتذكر ما طرأ عليها في حياتها بسبب توقعات الأبراج التي كانت تعتمد عليها في جميع مجالات حياتها، حتى أصبحت الأبراج هوسا يطارد اقدارها وتطاردها توقعاته.
أخذت احد الكتب من درج مكتبتها، فتحته لتتصفح أوراقه، فوجدت خطوطا حمراء تحت عبارات كتب فيها... عام مشؤوم، اغلبه امراض، ستفقدين عزيزا على قلبك، ستكونين وحيدة، وسيتراجع مستواك العلمي.
أخذت كتابا اخر، عثرت بداخله على ورقة كانت قد كتبت بداخلها الى متى تبقى تطاردني الكواكب المشؤومة؟ متى سيخرج القمر من برجي لتدخل بدله الزهرة كوكب الحب والجمال.
قلبت دفتر مذكراتها ، وكانت قد كتبت.. سوف أترك الدراسة الى ان يتركني كوكب زحل وينتهي النحس من حياتي.
تذكرت كيف كانت تلقي اللوم في فشلها بجميع أمور حياتها على تاريخ ميلادها بسبب كونها من أصحاب الأبراج الضعيفة والتعيسة وقليلة الحظ.
تناولت حزمة من الأوراق كانت قد كتبت فيها توافقات الأبراج مع الشريك واي من الابراج تتوافق معها من الجنس الاخر، ثم كيف انها رفضت العشرات من الخاطبين لانهم لم يكونوا على توافق مع برجها، وكيف انها اختارت شريك حياتها وفقا لذلك، لدرجة انها اعتقدت دائما ان سر سعادتها وتفاهمها معه يأتي من كونهما من نفس نمط البرج فَرَمَت سبب سعادتها على البرج ونست ان الانسان هو من يصنع السعادة لنفسه.
لم تكتفِ بهذا المقدار من الهوس في الابراج فقد حددت موعد حملها لتكون ولادة مولودها في اكثر الشهور حظا وتوافقا مع برجها وبرج زوجها.
في تلك الأوراق هنالك العديد من بطاقات الدعوة لزواجها ولكن بتواريخ مختلفة، فقد اجلت زواجها عدة مرات بسبب تقلبات الأبراج الطارئة التي استدعتها لفعل مثل هكذا أمور في العديد من مشاريع حياتها، كزواجها، رحلة شهر العسل، الخروج من المنزل لدعوة عشاء او نزهة او عيادة مريض، ولأنها تعتبر نفسها من اقل الأبراج حظا فكانت تأخذ الحيطة والحذر اكثر مما ينبغي.
من بين الأوراق ورقة أخرى كانت قد كتبت فيها الأشياء السعيدة ستأتي قريبا، ستخرج الكواكب المنحوسة من برجي وسأعيش في سعادة لربع قرن قادم.
نظرت الى الأبراج بتمعن وتذكرت ما قالته لها عمتها عن تاريخ ميلادها الصحيح فوجدت نفسها في احد اكثر الأبراج تعاسة لهذا العام ، بسبب اجتماع عدة كواكب تسبب لها الوعكات الصحية والأزمات المالية، وسيكون لديها تراجع في المستوى الوظيفي، لكن العام سينتهي وهي من اكثر الناس فرحا وبهجة، فقد رزقت بمولود جديد وعمل جديد وانتقلت لمنزل جديد وسافرت عدة مرات الى بلاد مختلفة ولم تصب بوعكات صحية ، والحالة المادية لا تعاني أي ارباك.
في تلك الاثناء ادركت ما كانت غافله عنه وهو قول الرسول صلى الله عليه واله وسلم كذب المنجمون ولو صدقوا، وان من يتكلم بالغيبيات هي مجرد رجما بالغيب، وان الامر كله بيد الله يفعل ما يشاء و بأمره مقادير كل شيء.
شعرت بندامة لم يكن لها مثيل ، كيف انها اضاعت وقتها، أموالها ، تفكيرها بأمور هي لا تمت الى الواقع بصلة، وكيف انها طبع على قلبها فنست ان مفاتيح الكون بيد الخالق ، وان الامر بيده يقول للشيء كن فيكون.
أخذت تجمع جميع الكتب والصحف والمجلات والأوراق التي تحتوي على الأبراج، وطلبت من زوجها ان يساعدها في احراقها لأنها ما عادت تعني لها شيئا بعد اليوم.
اضافةتعليق
التعليقات