يعيش العالم الإسلامي اليوم صراعات كثيرة وهجمات قوية لضرب المفهوم العقائدي عند المرأة المسلمة تحديدا.
ولا شك بأن كل شرائح المجتمع اليوم هي مستهدفة للتغيير أو التحوير الثقافي والديني، ولكن الحروب المقامة على المرأة المسلمة هي أكبر وأخطر بكثير ممن هي على غيرها في العالم، وذلك لما لها من أهمية عظيمة في المنظومة المجتمعية الإسلامية.
ولعل من أبرز الطرق التي يستخدمها العدو اليوم لتوجيه الأفكار وتعليبها هو عرض المحتوى المغري وتقديم البديل الذي ظاهره غالبا ما يمتاز بالجمال إلا إن باطنه فاسد ومنحرف.
ولأن الساحة العقائدية تعتبر من الساحات المفضلة التي يرنو العدو إلى الاقتتال فيها، لما يرتكز فيها من العمق الديني والأساس الإيماني الثابت فقد تجد الكثير من المندسين والمنحرفين يحاولون دس سمومهم الغربية وتشويه العقائد الاصلية في المجتمع.
ولعل من أبرز الأفكار التي بدأت تأخذ منحى آخر هي فكرة أن المرأة تابعة عقائديا إلى الرجل، وإن من كان سببا في نشر هذه الفكرة يريد أن يوصل صورة إلى العالم بأن المرأة في الإسلام مضطهدة فكريا لأنها حتى في موضوع العقيدة تكون تابعة للرجل ولا تملك الاستقلالية في التفكير والاختيار.
وهذه الفكرة باطلة تماما، ومن روج لها فهو أبطل منها، لأن القرآن بنفسه يشهد على استقلالية المرأة الفكرية والعقائدية.
يقول الله عز وجل في كتابه الكريم: "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِين".
وهذا تصريح إلهي واضح يشير فيه إلى اختلاف عقيدة زوجة فرعون "آسية بنت مزاحم" عن عقيدة زوجها فرعون، فقد اختارت آسية العقيدة الحقة وفضلتها على العقيدة الباطلة وكان لها موقفا قويا وثابتا ضد الفكرة والعقيدة الضالة التي كان يحملها زوجها، ولم تمنعها كل الظروف السيئة التي عاشتها والعذاب الذي لاقته من زوجها من الانزياح عن عقيدتها الإلهية.
بل ولبى الله طلبها وجعل لها بيتا عنده في الجنة ورفع شأنها وجعلها من سيدات نساء العالم اللاتي خلدهن التاريخ وجعلها القرآن مثالا للذين آمنوا من الرجال والنساء، فكانت على أثر عقيدتها الحقة خير مثال للإيمان والتقوى يقتدى بها ويحتذى بأمرها على مر الزمان.
ولا ننسى بأن الله تعالى ذكر أيضا نماذج أخرى تبين استقلالية المرأة الدينية ألا وهي امرأة لوط وامرأة نوح، فبالرغم من أن أزواجهما كانا من عباد الله الصالحين بل وأنبياء الله، إلا أنهما امتلكا حرية الاختيار العقائدية، ومع بالغ الأسف أنهم فضلوا الباطل على الحق وظلموا أنفسهم واختاروا العقيدة الضالة وفضلوها على عقيدة الله.
إذن المرأة لها كامل الحرية في اختيار العقيدة التي تؤمن بها، وهذا الأمر لا يتعارض أبدا مع العقيدة التي يؤمن بها زوجها، سواء كان رجلا صالحا أو فاسدا، فالمرأة من الممكن جدا أن تمتلك عقيدة مختلفة جذريا عن عقيدة زوجها، لأن المرأة في كل الأحوال ليست تابعة عقائدية لأحد، وستحاسب على عقيدتها وفكرها فرادا، وستجزى عليها، لأن اختيار العقيدة يعني اختيار المصير النهائي للإنسان، فاختيار زوجة فرعون وصمودها على عقيدتها كان سببا في تقربها الإلهي ودخولها إلى الجنة.
وأما اختيار زوجة النبي نوح والنبي لوط أدى بهما إلى الشرك والضلال والذي بلا شك تكون نهايته النار.
فكل الشبهات التي تطرح اليوم حول تبعية المرأة للرجل هي خاطئة لأن المرأة اليوم هي مستقلة تماما سواء عقائديا وفكريا ومسؤولة عن ذلك أمام الله وستحاسب على عقيدتها وتجزى عليها، لأن صلاح المرأة يؤدي إلى صلاح المجتمع وفسادها يؤدي إلى فساد المجتمع، وضعف الجانب العقائدي عند المرأة بالتأكيد سيخلق مجتمعا مترهلا فكريا وعقائديا.
إذن تقوية الوازع العقائدي يعتبر من الأمور المهمة جدا التي يجب أن تنتبه لها المرأة بل وتعدها من التكاليف الثقيلة التي على عاتقها اليوم في ظل الظروف الصعبة والهجمات الفكرية التي يشنها العدو على المجتمع الاسلامي، لكونها المسؤولة الأولى عن تربية الجيل الذي سيتبنى عقائدها وأفكارها بل سيترعرع عليها وستنمو في داخله وتزهر فيما بعد شوكا أو ياسمينا.
اضافةتعليق
التعليقات