فرض الله تعالى علينا ولاية محمد وآله الطاهرين والتمسك بهم (صلوات الله وسلامه عليهم) إذ ان لا اسلام بدون اتباعهم وموالاتهم وطاعتهم، ولأن الله تعالى طيب ولادتنا، تفضل علينا بأننا كنا من مواليهم ومحبيهم عليهم السلام.
مابقي علينا هو طاعتهم وامتثال اوامرهم، الطاعة تحتاج الى معرفة، بلا معرفة نضل عن الطريق الصحيح، حيث ذُكر في دعاء زمن الغيبة المروي عن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه: ( َللّهمَّ عرِّفْنِي نَفْسَكَ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْ رَسُولَكَ، أَللّهمَّ عَرِّفْنِي رَسُولَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولَكَ لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ أَللّهمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي).
ونلاحظ تركيز الائمة عليهم السلام في رواياتهم وكلماتهم في اهمية (عارفاً بحقه)، روي عن الإمام الصادق "عليه السلام" انه قال: مَن أتى الحسين "عليه السلام" عارفاً بحقه, كتبه الله عزّ وجلّ في أعلى علّيّين.
وهنا يجدر بنا الاشارة الى ان المعرفة درجات، وقيل ان اقلها هو الاقرار بأنه امام معصوم مفترض الطاعة.
واليوم نحن على اعتاب الإمام الكاظم عليه السلام راغبين بالتعرف على شي من حياته عليه السلام، لنزداد معرفة ونور.
-ماهو معنى كاظم الغيظ؟
من المؤكد ان اسماء الائمة والقابهم هي خاصة بهم عليهم السلام ويتجسد ذلك في شخصيتهم، اي ان القابهم استثنائية.
في اللغة الغيظ: شعورٌ بالغضب الشديد من إساءة يلحقها به أحد، اي انه اشد انواع الغضب، وقيل ان الغيظ هو صوت الغليان وهذا معناه غليان دم الانسان من شدته غضبه.
الكظم: هو امساك الشيء وحبسه مع القدرة على افلاته، وقيل منع الشعور.
وهذا يعني ان كظم الغيظ: هو حبس اشد انواع الغضب مع قدرة الشخص على معاقبة من اغضبه.
هنا يأتي في الذهن سؤال: ماهو الغيظ الذي كظمه الإمام موسى ابن جعفر عليه السلام؟
قد يتصور البعض ان الظلم والالم الذي عاشه الامام عليه السلام لسنوات في سجون هارون هو الغيظ الذي كظمه الامام، صحيح ان الامام عانا ما عانا من الم في السجن لدرجة انه كان يدعو الله تعالى ويقول: (يا مخلِّص الشجرِ مِن بينِ رمل وطين! يا مخلِّص النار من بين الحديد والحجر! يا مخلِّص اللبن من بين فَرْث ودم! يا مخلِّص الولد من بين مَشيمة ورحِم! يا مخلِّص الروح من بين الأحشاء! خلّصْني من حبس هارون).
إلا ان الامام عليه السلام كان ارقى مقاماً او ارفع مكانة من ان يغضب اشد الغضب لكونه مسجون ظلماً، غضب المعصوم يكون لله فقط، اذن فأن الغيظ الذي ملأ صدر الامام كان شيء اخر غير السجن.
استلم الامام الكاظم عليه السلام الإمامة في زمن كانت فيه الدولة العباسية في عز شبابها وبداية استقرارها، وإذا بالدولة العباسية تزعزع عقيدة بعض الموالين لمحمد وآله الطاهرين، واذا بمولانا الكاظم يواجه أكبر نكبة حلت في الوسط الشيعي في ذلك الزمن، ألا وهي انقسام الشيعة الى فرق تتبع غير الامام الكاظم، فرقة قالت ان الامام الاخير هو اسماعيل ابن الامام الصادق (الفرفة الاسماعيلية) وفرقة اتبعت مدعي الامامة (عبدالله الافطح) واصبحت ( الفرقة الافحطية)، وهذا هو اشد انواع الالم الذي اصاب قلب الامام الكاظم، فلو قيل اليوم لشخص ما ماذا تختار: ان يموت اولادك جميعهم الآن وهم على ولاية الائمة عليهم السلام، او يعيشوا لمدة طويلة من الزمن بلا مرض او بلاء ولكنهم يتخلون عن الولاية، جواب الشيعي الحقيقي يموتون الآن وانا معهم فالموت على ولاية امير المؤمنين هو الفوز الحقيقي في الدنيا والآخرة، والخروج عن ولاءهم هلاك وخسران كبير.
فكيف بحال الامام الذي هو بمثابة الاب وهو يرى اعداد كبيرة من الشيعة تهلك وتبتعد عن نور العترة.
كظم الامام غيظه على هؤلاء المنحرفين، وحاول معالجة الامر واصلاحه عبر المواجهة والمناقشة العقلية.
هكذا تسبب بعض الشيعة في ذلك الزمن بألم في قلب إمام زمانهم، وكذلك حالنا نحن اليوم ندخل الحزن على قلب إمام زماننا بسوء اعمالنا واخلاقنا، وابتعادنا عن نور الاطهار، مع كل ذلك ندعي حبه، وندعوا الله تعالى لتعجيل فرجه وكأننا نجهل او نتجاهل ان اتباعنا لهوى انفسنا والشيطان هو سبب تأخير ظهور إمام زماننا.
نسأل الله تعالى بحق مولانا الكاظم ان يعيننا على اصلاح انفسنا وتهذيبها، لنكون اهلاً لنصرة صاحب امرنا عجل الله تعالى فرجه.
اضافةتعليق
التعليقات