بوجه متغير الألوان، ببحّة صوت منكسرة، تلك.. التي تجرح الحنجرة، تحدث زينب جدها: رأيت البارحة ريحا عاصفة قد انبعثت فأسودت الدنيا، وما فيها وأظلمت السماء وحركتني الرياح من جانب إلى جانب، فرأيت شجرة عظيمة فتمسكت بها، لكي اسلم من شدة الريح العاصفة، وإذا بالرياح قد قلعت الشجرة من مكانها، وألقتها على الأرض، ثم تمسكت بغصن قوي من أغصان تلك الشجرة فكسرتها الرياح فتعلقت بغصن آخر، فكسرتها الرياح العاصفة، فتمسكت بغصن آخر وغصن رابع، ثم استيقظت من نومي..
وحينما سمع جدها رسول الله صلى الله عليه واله منها هذه الرؤيا بكى وقال: اما الشجرة فجدك واما الغصنان الكبيران فهما امك وأباك واما الغصنان الاخران فأخواك الحسنان تسود الدنيا لفقدهم وتلبسين لباس المصيبة والحداد في رزيتهم..
ومن هنا ابتدأت حكاية زينب مع الدهر.. وما أدراك ما زينب جبل الصبر!
_بعد رحيل رسول الله صلى الله عليه وآله الى المليك المقتدر، أزيلت الحرمة عند مماته، فبدأ الظلم.. بعد شهرين أو ثلاثة أشهر وإذا بها ترى أن امها خلف الباب، تسمع صرختها! يرفع السوط عليها! تخرج خلف علي وهي تقول: خلو ابن عمي.. وكل هذا على مرأى ومسمع من زينب..
إلى أن حان الوداع، وآن الفقد، ورحلت الزهراء إلى العلياء..
سنين مرت.. حل شهر رمضان.. في ليلة التاسع عشر وفي ليلة القدر.. جيء بالأمير إلى بيته مخضبا بالدماء..
وزينب تراه مسجا أمام عينيها، لتودعه بعد ذلك، لله در صبرك مولاتي!
مصيبة اخرى! غصن آخر سيكسر، العقيلة تأتي إلى دار أخيها الحسن، لترى بأم عينها كبده المقطع المسموم! ولا بد لفراقهم أن يحين..
فلم يبقَ لزينب من أهل العبا إلا الحسين.. الذي كانت تخدمه بعينيها وأجفانها، كيف لا وهو ريحة أمها الزهراء؟
أما آخر المطاف في رحلة حياة زينب عليها السلام.. "كربلاء"
والذي هوت فيها أحبة زينب كالنجوم، مرملون على الغبراء، وهي بدون ناصر ولا معين، تبحث عن أيتام مشردة تارة، وتبعد الشوك من أقدام الآخرين تارة..
لتبدأ رحلة جديدة "قافلة السبي".
ومن هنا انطلقت عقيلة الهاشميين تنسف مزاعم الظلام الكاذبة بتصريحاتها القرآنية، ببلاغتها النبوية ومنطقها العلوي..
وقلبها ينزف دما!
لتعود بعد أربعين يوما من الفراق، لتلتقي بحبيبها الحسين قائلة: يا بن أمّ, أخي لقد جاؤونا بالنّياق مهزولة لا موطّأة ولا مرحولة, والله لو خيّروني بين المقام عندك أو الرحيل عنك, لاخترت المقام عندك ولو أنّ السباع تأكل لحمي.. ولكن هذه نياق الرحيل تجاذبنا بالمسير..
وصلت زينب إلى المدينة، دخلت الدار الموحشة الخالية من الأحباب..
لا شيء غير زينب والدموع!
لا زالت كلما نظرت إلى الباب تردد في قلبها:
يارب الصوتُ الذي أحدثَته الخيول في صدرِ مهجتي الحُسين، أعرفهُ جيداً، سمعتهُ خلف بابِ الدار..
ودعت عقيلة الطالبيين الحياة، في(5/ رجب 62هـ)، ليلتم شمل عائلة الزهراء من جديد، فهم ينتظرون عروج روح الحوراء من هذه الدنيا الدنية إلى السماء.
اضافةتعليق
التعليقات