يمكن أن نستنبط من بعض النصوص الصادرة عن الإمام علي (عليه السلام) ضرورة وجود سلطة أخرى، تشرف على الوزراء والوزارات وأداء الحكومة وما يصطلح عليه الآن بالسلطة التنفيذية، كمقوم أساسي وشرط ضروري لازم للإصلاح الاقتصادي والتنمية بأنواعها، فإن «اسْتِصْلَاحَ أَهْلِهَا» (ما صلح عليه أهل البلاد عام يشمل الشؤون الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والحقوقية وغيرها، وهذه السلطة سلطة عليا، يجسدها مجلس من العلماء والحكماء، وبما يشمل الخبراء، الذين يقومون بتسديد الحكام والمسؤولين وتوجيههم على طول الخط، ويمكن أن نعتبر هذا المجلس بمثابة السلطة الرابعة).
ويقتصر دورهم على الأمور التالية:
أ- منح المشورة.
ب ـ التخطيط.
ج - التوجيه والتثقيف.
د - إيجاد الحافز في الناس وتكريس أخلاقيات التنمية الشاملة في النفوس، من دون أن يمارسوا أية أنشطة اقتصادية أو حتى أن يشغلوا مناصب رسمية، حذراً من أن تتدخل المصالح الشخصية في رسم بعض السياسات الاقتصادية، ويمكن أن يضاف إلى ذلك المشاركة في التصويت أيضاً، ولكن بحسب إحدى الصيغ والنسب المذكور في الكتاب.
ومن تلك النصوص قوله (عليه السلام): (وَأَكْثِرُ مُدَارَسَةَ العُلَمَاءِ وَمُثَافَنَةَ الحُكَمَاءِ فِي تَثْبِيتِ مَا صَلَحَ عَلَيْهِ أَهْلُ بِلَادِكَ، وَإِقَامَةِ مَا اسْتَقَامَ بِهِ النَّاسُ مِنْ قَبْلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ يَحِقُّ الحَقَّ وَيَدْفَعُ البَاطِلَ وَيُكْتَفَى بِهِ دَلِيلًا وَمِثَالًا، لِأَنَّ السُّنَنَ الصَّالِحَةَ هِيَ السَّبِيلُ إِلى طَاعَةِ اللَّهِ)1.
وهو حكم دستوري لا يجوز التخلف عنه أو التساهل فيه، لأن ما يُحق الحق ويدفع الباطل، واجب ولأنه (عليه السلام) اعتبر ذلك من السنن الصالحة التي هي السبيل إلى طاعة الله تعالى، ومقدمة الواجب واجبة عقلاً، وقيل إنها واجبة شرعاً أيضاً، والسنن إن كانت أعم من الواجبات والمستحبات كان السبيل أو السلطة الحادية عشرة، التي نضيفها هنا إلى السلطات العشر التي تناولها بالبحث في كتاب السلطات العشر والبرلمانات المتوازية ويمكن أن نعتبرها تركيباً من عدد من السلطات العشر، للواجب منها واجباً، وللمستحب منها مستحباً ويمكن القول بأنه تقع على عهدة هذا المجلس أيضاً: مراقبة القوة القضائية والقوة التشريعية، في أي بلد وجدت فيه ، لأن ذلك كله يندرج في إطار قوله (عليه السلام): (تَثْبِيتِ مَا صَلَحَ عَلَيْهِ أَهْلُ بِلَادِكَ وَإِقَامَةِ مَا اسْتَقَامَ بِهِ النَّاسُ مِنْ قَبْلِكَ)2، فإن ذلك كله مما يصلح عليه أمر البلاد ومما يستقيم به أمر الناس، ولا مجال لتوهم الانصراف عنه فانه بدوي.
وهنا لا بد أن نميز بين نوعين من أنواع مجلس العلماء والحكماء، بأن نميز بين أدوار علماء الدين والفقهاء من جهة، وأدوار العلماء والخبراء في السياسة، الاجتماع والاقتصاد من جهة أخرى، فعن أدوار علماء الدين جرى الحديث في كتاب السلطات العشر، يمارس علماء الدين المنتخبون دورهم بأحد الأشكال التالية على حسب المباني المختلفة:
١ - الحضور بصفة مراقبين فقط.
٢- الحضور بصفة مستشارين فقط.
الحضور بصفة مشاركين على حسب إحدى الصيغ الخمس المذكورة تحت عنوان أنماط متدرجة لمشاركة الغرف البرلمانية على أن ينحصر دورهم في القضايا التي ترتبط بالدين خاصة، وفي حدود الذين ينتخبونهم ويرضون بأحكامهم ، إلا إذا تحولوا إلى أكثرية في الأمة، فإن الحكم تابع للأكثرية مادامت أكثرية.
وبعبارة أخرى يمكن أن يشكلوا غرفة فرعية في البرلمان، أو لجنة من لجانه فيما يتعلق بشؤون الدين، كما أن هنالك لجاناً في البرلمانات متخصصة في شؤون الدفاع أو الخارجية أو غيرها، وتمرر التشريعات للبرلمان عبر دراستها أولاً في اللجنة المختصة، ثم تمريرها للبرلمان للتصويت عليه، لكن الحديث في كتاب السلطات إنما جرى عن دور علماء الدين في هذا المجلس، وأما موضع البحث هنا وفي النص العلوي (عليه السلام) فهو عن العلماء والحكماء بشكل عام، فلا تختص دائرة سلطات هذا المجلس بالشؤون الدينية، كما لا يتحدد دوره في المراقبة أو تقديم المشورة فقط.
ولقد توصلت الحكومات المتقدمة إلى ألوان من الصيغ التي تتكفل بإشراك الحكماء والخبراء في تقديم مشورة مستقلة فـبسبب تعقد العلاقات الاقتصادية يحتاج أركان سياسة الاقتصاد إلى مشورة ذات قاعدة علمية. هنا تطرح مشكلة أن تقديم المشورة، بهدف تحقيق الحد الأقصى من المصلحة العامة، يأخذ طابع سلعة عامة، في الحقيقة يستفيد المجتمع بمجمله من تقديم المشورة التخصصية، لكن الفرد أو المنشأة الواحدة تمتلك دافعاً محدوداً لدفع ثمن هذه المشورة بالمقابل يوجد غالباً استعداد كبير لدفع ثمن المشورة التي تفيد جماعة ذات اهتمامات مشتركة.
إن انعدام المشورة السياسية العلمية الاقتصادية الممولة بواسطة الضرائب يؤدي إلى خطر التعلق المالي للمشاركين بالجماعات ذات الاهتمامات المشتركة، في الحقيقة يمتلك البحث العلمي الاقتصادي في الجامعات تلك الاستقلالية، لكنه غالباً بسبب ارتباطه النظري غير قادر على تقديم مساعدة تطبيقية لسياسة الاقتصاد.
اضافةتعليق
التعليقات