تتحمل الطبقة الرائدة مسؤولية كبيرة تجاه المجتمع في توعية الناس، وفتح عيونهم لحقائق المستقبل، لأنهم بذلك سيمنحونها الثقة وسيصنعون فيها العزيمة، والإستعداد لخوض غمار الصراع المرير مع تحديات المستقبل.
وستكون الثقة والطمأنينة والسكينة بديلا عن الخوف والفزع وتوتر الأعصاب التي يعيشها كل إنسان يجهل مستقبله.
إن مهمة الريادات المستقبلية فك رموز المستقبل، وجعل الناس يميزون بين القادم الصالح والطالح، والخطر والأخطر، بين الجيد والرديء، وتحويل الجيد إلى أجود، أو تلافي الأخطاء، أو تحديد وتحجيم آثارها، إضافة إلى ذلك فإنها تمنح الناس مفاهيم جديدة ومفيدة، تساعدهم على التعامل مع عالم سريع ومتطور.
إن المستقبل عادة ليس ثابتا ولا هو نهائي الشكل لا يمكن تغييره، بل هو مشتمل على مجموعة من البدائل التي يضعها الإنسان أمامه، والتي يستطيع أن ينفذ إلى مفرداتها، فيختار ما يراه صالحا.
فالتغيرات الصغيرة التي حولنا تصبح بمرور الزمان كبيرة، حالها حال الأمطار التي تبدأ بقطرات ثم تصبح جداول، وتنتهي إلى سيل عارم، وبذلك الاختيار يصبح الفرد مصانا، ومحصنا لا تزلزله صدمة المستقبل، ولا تثنيه متغيراته.
والخلاصة: إن العقلاء كافة بحكم العقل لابد أن يفكروا بالمستقبل، فكما أن طلاب الطب والهندسة والتكنلوجيا وغيرهم، يواظبون على الدراسة ست سنوات أو أكثر حتى يصلوا لأهدافهم والتي منها خدمة الناس والسعة في الرزق، والراحة في العمل.
وهكذا بالنسبة إلى من يتعلم العلوم الدينية حتى يصبح فقيها أو مدرسا كاتبا أو خطيبا، فإنه يتعب ويسهر ويكد ويجتهد، وأحيانا يجهد نفسه خمسين سنة فيما لو طلب المرجعية.
وهكذا المزارع يتعب ويجهد نفسه مدة طويلة أو قصيرة، حسب نوع النبات ومدة نموه، بإنتظار الثمار كذلك على العقلاء أن يفكروا ويخططوا لمستقبل أممهم وشعوبهم القريب المدى والمتوسط والبعيد.
ويلزم على الإنسان أن يكون سعيه منصبا لمعرفة آفاق المستقبل والأهداف الكبيرة، وليس الأهداف الصغيرة التافهة، ما فعل ذلك الخاسر الذي باع كل شيء من أجل ملك الري الذي لم ينله حينما قال: "ما عاقل باع الوجود بدين".
فهذا العمل هو خلاف منهج العقلاء ومقياس العقل، بل هو بنفسه أيضا باع حظه الأوفر في الآخرة، لأجل مستقبل متوهم مزعوم.
اضافةتعليق
التعليقات