ما الذي يرفع المرء إلى فوق السحاب؟ وما الذي يهوي به إلى واد سحيق؟
إنها.. الكلمة، نعم هي الكلمة وليس سواها، قادرة على خلق كائن مجنّح يملأ الفضاء جيئة وذهابا، فلا يتسع له الفضاء على رحابته، وقادرة كذلك على قصقصة أجنحة الآخر، وإلقاؤه في هوّة العدم فلا يلوي على شيء.
كلنا بلا استثناء نملك ناصية الكلمة، فهي في وثاقنا ما لم نطلق سراحها، أما إذا أطلقناها فقد خرجت من وثاقنا... فلننتبه لمن نوجه كلماتنا.
ترى أحدنا يرمي الكلام على عواهنه، ثم يدّعي أنه لم يقصد به الإساءة للطرف الآخر، بينما واقع الحال أنه حول الكلمة إلى أداة جارحة ذات نصل، حزّت شعور المقابل، فإذا به يتحول إلى كتلة مدمّاة من المشاعر والأحاسيس.
فليس بمستغرب أن تكون للكلمة شفرة موسى، تفعل فعلها في الأحاسيس فترديها جثة هامدة.
هناك الكثير ممن يجهل ما للكلمة من سحر وقوة؛ هي كلمة قد تعمّر وأخرى قد تدمّر.. فاختر أيّهما تريد؟
وأتساءل: هل توجعك كلمة؟ هل تحنق وتستشيط غضبا من كلمة؟ وهل تخرج أضغانك كلمة؟ وهل تحطّم كبرياءك كلمة؟
إذاً لله در هذه الكلمة التي تصنع الأعاجيب. نعم قد نصغر عشرين عامًا بكل كلمة طيبة تقال فتمتلأ نفوسنا رضىً وسرور، وقد نكبر ألف عام مع كل كلمة موجعة تحزّ بنا كسكّين جزّار.
فما أشدّ هشاشة هذا الإنسان؟! وما ألطف عوده وما أرهف مشاعره؟! إنه من الهشاشة بمكان إذ ترفعه كلمة طيبة إلى أعلى عليين، وبكلمة جارحة تطيح به أسفل سافلين.. فإذا بالكلمة تمضي وآثارها تبقى عالقة كثقل يأبى الانزياح والتلاشي، نعم ينكسر الزجاج فينتهي الصوت بسرعة، وتبقى قطع الزجاج تجرح من يلمسها، كذلك الكلام الجارح ينتهي ويبقى القلب يتألم طويلا.
فمخطىء من يعتقد أنّ الكلمات تُقال عبثا وتمضي في حال سبيلها، دون أن تحفر في ذاكرة السامع ايقاعها المسموع خيرا كان أم شرا، إن ما تصنعنا وتشكل كينونتنا هي الكلمات الجميلة، بما تحمله من لطف الإحساس وصدق المودّة، وبما تبذره في الأرواح من بذور الخير والإحسان.
فلله در كلمات تومض في الروح بهجة وضياء ونورا، وتخلق في النفوس رقة وسحرا وانبساطا، فقل خيرا تلقى خيرا فتسعد أنت ويسعد من حولك، وإلا فالزم الصمت شعارا ودثارا، وتذّكر الحكمة القائلة: وللصمتُ خيرٌ من كلامٍ بمأثمٍ، فكنْ صامتاً تسلمْ وإِن قلتَ فاعدلِ.
اضافةتعليق
التعليقات