للكلمات طاقات كامنة قابلة للتفجّر في أي لحظة، بعض الكلمات يُصعّد سامعها لسابع سماء وبعضها الآخر يهوي به إلى قاعٍ سحيق لا انتهاء له، بعضها يُلبسُ تاجاً، والآخر ينتزع عرشاً كاملاً.
يجهل الكثيرون ما للكلمة من سحر، يرمي شخصٌ ما كلمةٌ عابرةٌ ويمضي، فيعيش أحدهم أسعد أيامه بسببها، ويقول ثانٍ كلمة تعلق في ذاكرة آخر فتكون سبباً في بؤسه لحياةٍ كاملة!، وكلمات أخرى سحقت قلوباً لكنها ولّدت عزيمةٌ لا تراجع فيها، كلماتٌ ساحقة ابدعت كُتاباً وعلماء، كلمات مهينة وجارحة خلقت أشخاصاً ذوي قلوبٍ فولاذية لا يثني عزيمتها شيء، فلله در كلماتٍ تطحن الروح طحن الرحى، وكلماتٍ تجمّع شتات القلب وهشاشته.
لا يُعير الكثيرين اهتماماً واضحاً لما يقول أو للحن الكلمات التي ينطقها، ربما تتحول كلماتٌ عادية إلى أداةٍ جارحة بسبب طريقة قولها، نكهة التعالي والتبجّح لا يمكن تجاهلها، إنها تترك في الروح صدعاً مؤلماً.
لابد أن يعرف المرء ولو متأخراً حجم الأذى الذي يخلّفه في صدور الآخرين، ظنًا منه بأن الكلمة لا تملك تأثيراً ما دامت لم تتحوّل لفعلٍ واقعيّ بعد، لا ينطبق الأمر هنا على النوايا، أو على قاعدة أن الأعمال بالنيات، وأن فلان حين نطق بذاك الكلام كانت نيته سليمة لكنه هو بطبعه سليط اللسان وسريع والغضب ولا يمكنه التحكم بما يقول، هذه تبريرات واهية يُرادُ بها ترقيع الفجوة التي خلفّتها تلك الألفاظ المؤذية، في كثير من الأحيان يُعتقد أن الاعتذار كفيل بتصليح كل شيء، فهو يمحو كل ما قيل ويقلب صفحةً جديدة، حسناً، إن الاعتذار يملك تأثيراً سحرياً ويكسر الجليد المتراكم فوق القلب، لكنه لا يفعل دائماً، فهو ليس مضاداً حيوياً يُلتجأ إليه كلما أفسدنا سكينة الآخرين بوقاحة أقوالنا، لا ينفع تضميد الجرح وهو نازف.
الكلمة الطيبة صدقة، صدقةٌ لا تُكلّف مالاً، ولا تستوجب أن تُحرّك مكانك وتبحثُ عن فقيرٍ أو محتاج لتُبارك يومك به، إنها صدقةٌ تستطيع منحها في أي موقعٍ من العالم وفي أي حالٍ كنت، في موضع نُطقٍ أو كتابة، سائراً أم جالساً، لا تُفرّق صدقة الكلمة بين فقيرٍ وغنيّ، بل إنها تُغني مانحها، تُعزّه وتجذب القلوب إليه وتحوّطه بهالةٍ من الرِضا أينما حلّ وارتحل.
تمعن في النص المسرحي (الحسين ثائرا)، للشاعر عبد الرحمان الشرقاوي، فيقول كلمات عن لسان حال الإمام الحسين (ع) مع الوليد حين طالبه بمبايعة يزيد ابن عبد الملك بن مروان، وهو يقول: نحن لا نطلب إلا كلمة! فلتقل بايعتُ، واذهب بسلام لجموع الفقراء، فلتقلها وانصرف يا ابن رسول الله حقناً للدماء فلتقلها ما أصغرها إن هي إلا كلمة.
فيكون رد الإمام (ع): (كبرت الكلمة، وهل البيعة إلا كلمة؟ ما دين المرء سوى كلمة، ما شرف الرجل سوى كلمة ما شرف الله سوى كلمة أتعرف ما معنى الكلمة؟ مفتاح الجنة في كلمة، دخول النار على كلمة، وقضاء الله هو الكلمة، الكلمة نور، وبعض الكلمات قبور، بعض الكلمات قلاع شامخة يعتصم بها النبل البشري، الكلمة فرقان ما بين نبي وبغي، بالكلمة تنكشف الغمة، الكلمة نور ودليل تتبعه الأمة، عيسى ما كان سوى كلمة أضاء الدنيا بالكلمات وعلمها للصيادين فساروا يهدون العالم، الكلمة زلزلة الظالم، الكلمة حصن الحرية، إن الكلمة مسؤولية، إن الرجل هو الكلمة، شرف الرجل هو الكلمة، شرف الله هو الكلمة).
اضافةتعليق
التعليقات