عظيمة النفس والسجايا والتقى والورع والنسب والمكانة والتأثير، شريفة من نسل الأشراف العلويين، وزوجها نقيب الطالبيين أبو أحمد الحسين بن موسى وهي أم الرضيين الشريف الرضي والمرتضى علم الهدى.
ذكرتها المصادر التاريخية -وإن لم تفصّل في سيرتها وحياتها- وذكرت نسبها ومكانتها العظيمة بين الأشراف كما ذكرت ما رواه الشيخ المفيد حيث رأى (في منامه كأنّ فاطمة الزهراء بنت رسول الله ص دخلت عليه وهو في مسجده بالكرخ ، ومعها ولداها الحسن والحسين عليهما السلام صغيرين، فسلّمتهما إليه وقالت له: علّمهما الفقه، فانتبه متعجّباً من ذلك.
فلمّا تعالى النهار في صبيحة تلك الليلة التي رأى فيها الرؤيا، دخلت عليه المسجد فاطمة بنت الناصر، وحولها جواريها، وبين يديها ابناها محمّد الرضي وعلي المرتضى صغيرين، فقام إليها وسلّم عليها، فقالت له: أيّها الشيخ هذان ولداي قد أحضرتهما لتعلّمهما الفقه، فبكى أبو عبدالله وقصّ عليها المنام، وتولّى تعليمهما الفقه، وأنعمَ عليهما، وفتح لهما من أبواب العلوم والفضائل ما اشتهر عنهما في آفاق الدنيا، وهو باقٍ ما بقي الدهر)(١)
ومن هذه الرواية تتبين مكانة هذه السيدة الجليلة التي لم تتوان عن تعليم أولادها خاصة إذا ما علمنا أنها كانت حينها تعيش أزمة كبيرة بعد نفي زوجها وأخيه إلى بلاد فارس ومصادرة كل أمواله وولداها في سن حرج في سن الفتوة فكانت لهم الأم والأب والموّجه ونعم ما انجبت الشريف الرضي والمرتضى خيرة علماء أهل زمانهما.
وإن لم يذكر التاريخ عنها أكثر من رواية الشيخ المفيد وتأليفه لكتاب عن أحكام النساء لأجلها إلا أن قصيدة ابنها الشريف الرضي التي رثاها بها تكشف لنا عن تفاصيل دقيقة في شخصيتها حريّ بكل أُم أن تتأملها جيدا لتعرف تأثير سلوك الأم على الأبناء وسنقتطف أبياتا منها:
أنْضَيتِ عَــيْشَكِ عِفّـةً وَزَهادَةً * وَطُـرِحْـتِ مُثْقَلَةً مِـنَ الأعْبـاءِ
بِصِيامِ يَـوْمِ القَيظِ تَـلْهَبُ شَمْسُهُ * وَقِيـامِ طُـولِ اللّيلَــةِ اللّيـلاءِ
مَا كانَ يَوماً بالغَبينِ مَنِ اشتَرى * رَغْـدَ الجِنـانِ بِعَيشَـةٍ خَشْناءِ
لَـوْ كَـانَ مِثْلَكِ كُـلُّ اُم بَـرّةٍ * غَنِـيَ البَنُـونَ بِهـا عَنِ الآباء(٢)
هنا نرى ورعها الذي أثر في ابنها كثيرا ونجد في أبيات أخرى كيف كانت له السند والحضن الذي يحتويه.
كَيفَ السُّلُوّ وَكُلّ مَوْقِعِ لحظـة * أثَـرٌ لـفَضلِكِ خـالِدٌ بـإزَائـي
فَعَلاتُ مَعرُوفٍ تُقِـرّ نَوَاظِـري * فَتَكُـونُ أجْلـَبَ جـالِبٍ لبُكـائي
مَا مَاتَ مَـنْ نَزَعْ البَقَاءَ وَذِكْرُهُ * بـالصّالحاتِ يُعَـدّ فـي الأحْياءِ
فَبـأيِّ كَـفٍّ أستَجِـنّ وأتّقـي * صَـرْفَ النّـوائبِ أمْ بَأيّ دُعاءِ
وَمَنِ الـذي إنْ سَـاوَرَتْني نَكبَةٌ * كـانَ المُـوَقّي لي مِنَ الأسْواءِ
أمْ مَـن يَلِطّ عَلـيّ سِتْرَ دُعائِـهِ * حَرَماً من البأساءِ وَالضّرّاءِ
رُزْآنِ يــَزْدادانِ طُـولَ تَجَـدّدٍ * أبَدَ الزّمـانِ فَنَاؤهـا وَبَقـائي
شَهِـدَ الخـلائِقُ أنّهَـا لَنَـجِيبَةٌ * بدَليلِ مَـنْ وَلَدَتْ مِـنَ النُّجَبَاءِ
فِي كُـلّ مُظْلِمِ أزْمَـةٍ أوْ ضِيقَةٍ * يَبْدُو لهَـا أثَـرُ اليَـدِ البَيْضاءِ
ذَخَرَتْ لَنا الذّكرَ الجَميلَ إذا انقضَى * مَـا يَـذْخَرُ الآبَـاءُ لـلأبْنَاءِ(٣)
ترى أي ملكات نفسية وسلوك قويم أثرت به فاطمة بنت الناصر على أولادها ليجزع الشريف الرضي عليها هذا الجزع وهو الورع الذي لا يتكلم بعاطفة شاعر وإنما يذكر الصفات الواقعية لأمه التي كانت له ولأخيه الأم الحنون والمربية الفاضلة والسند الذي عوضه عن حرمانه من أبيه في صباه وجعلت منه ومن أخيه علمين من أعلام العلم والمعرفة والتقى والورع لهما مكانة علمية واجتماعية مرموقة حتى وقتنا الحاضر، كما كانت لهما القدوة التي يفتخران بها وبأمومتها لهم، كما أنها رمز لكل الأمهات التي تؤثر بسلوكها القويم على أولادها وتجعل منهم رموزا على مر التاريخ.
ترى هل أثّرت سيرتنا وسلوكنا كأمهات في أولادنا تأثيرا ايجابيا أم لا؟ وهل أعطينا الأمومة حقها؟ وهل أصبحنا بأمومتنا رمزا لأولادنا والأجيال اللاحقة ونخرّج شخصيات فذة تخدم المجتمع لعصور وعصور؟
كيف وأغلب أمهات عصرنا عصر التطور والحضارة تحتاج إلى اعادة تربية!!
اضافةتعليق
التعليقات