محور الكون سيد العارفين وعابد زمانه السادس في الإمتداد السماوي، جعفر مُتغير لونه يغسل وجهه ويديه يمسح على رأسه وقدميه يُكثر من ذكر الله وهو يتهيأ للوفادة على جبار السماء، يبسط سجادته بيمينه التي بها يُرزق الورى ويعم الخير وتُرحم الأمة، يُخرج قطعة ديباج خضراء بقداسة الحُب الإلهي وواجب التعظيم يصب ما فيها من تُراب عند موضع سجوده ويشرع في صلاته، يُكبر فتصطف الملائُك خلفه لتنال شرف الركوع والسجود بين يدي الجبار خلف الحجة العُظمى والآية الكُبرى حاملين شيء من آثار سجوده إلى السماء يتقاسمون غنيمة القداسة من نوره فيما بينهم.
يُنهي صلاته ويلتفت لمن تحدوا العقبات وسلكوا طرق مليئة بالأشواك ليبقوا بجواره، هم تلاميذه، وخُلص شيعته، منهم من تخلى عن كُل مقاماته الإجتماعية ليتحول لبائع متجول حتى يتمكن من دخول بيت سيده جعفر وينتهل من نمير علمه، يُجيب على تساؤلاتهم المنعكسه في وجوههم حول فضل هذا التراب: (إن السجود على تربة أبي عبدالله يخرق الحجب السبعة)، فيبتسم البعض لعظمة ماسمع ويستغرب الآخر لما رأى من تغير حال مولاه الصادق وهو يستذكر ما رواه أباه عن أجداده حين هبط الأمين جبرائيل على النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) وبين يديه الحسن والحسين (عليهما السلام) فقال: يا محمد إن أمتك تقتل ابنك هذا من بعد وأومأ بيده إلى الحُسين فبكى رسول الله وضمه إلى صدره، فأعطى جبرائيل إلى النبي قبضة من تراب كربلاء وقال: وديعة عندك هذه التربة.
ركدت في عقول الأصحاب الكثير من الأسئلة، قرروا تأجيلها ليومٍ آخر فإمامهم قد ذكر الحسين وعند ذكر قتيل العبرة الصادق يبكي حتى تبتل لحيته ولا يُرى ضاحكاً ذلك اليوم.
عاد عمر بن يزيد (أحد رواة الحديث) في صباح اليوم الثاني وهو يحاول ترتيب أسئلة تشابكت في فكره، مولاي تربة مكة أعظم من كربلاء؟ رد الإمام: (إن ارض الكعبة قالت: من مثلي وقد بني بيت الله على ظهري، ويأتيني الناس من كل فج عميق، وجعلت حرم الله وأمنه، فأوحى الله إليها أن كفي وقري فوعزتي وجلالي ما فضل ما فضلت به فيما أعطيت به أرض كربلاء إلا بمنزلة الإبرة غمست في البحر فحملت من ماء البحر، ولولا تربة كربلاء ما فضلتك، ولولا ما تضمنته أرض كربلاء ما خلقتك ولا خلقت البيت الذي افتخرت به، فقري واستقري وكوني دنيا متواضعا ذليلا مهينا، غير مستنكف ولا مستكبر لأرض كربلاء، وإلا سخت بك وهويت بك في نار جهنم)، رحل عمر بن يزيد يجوب بيوت الشيعة يروي على أسماعهم عظمة ما سمع من مولاه.
وغيره مُتعب جاء حاملاً ضعفه على ظهره لاجئاً لمستراح قلبه وأمان روحه، مولاي يا أيها الصادق إني رجل كثير العلل والأمراض وماتركت دواء إلا وتداويت به، السبب المتصل بين الأرض والسماء يرد: (أين أنت عن طين قبر الحسين بن علي (عليه السلام)، فإن فيه شفاء من كل داء، وأمنا من كل خوف، فإذا أخذته فقل هذا الكلام: "اللهم إني أسألك بحق هذه الطينة، وبحق الملك الذي أخذها، وبحق النبي الذي قبضها، وبحق الوصي الذي حل فيها، صلى على على محمد وأهل بيته، واجعل فيها شفاء من كل داء وأماناً من كُل خوف").
وأين نحن شيعة جعفر الصادق من طين قبر الحسين في زمن انتشار الوباء الذي اعجز الطب والعلماء عن معرفته فضلاً عن القضاء عليه، أين نحن من طين قبر الحسين في زمن الخوف فيه متحكم على القلوب، خوف المرض، خوف الحروب، خوف الفقر، وخوف الإنجرار وراء تيارات الضلال.
أين نحن من علوم سادات العلم وإتباع كلماتهم؟
اضافةتعليق
التعليقات