هناك الكثير من الأشياء التي لها مدّة صلاحيّة، ليس فقط مرور الزمن من يحدد هذا التاريخ بل طبيعة المُنتَج أيضا تؤثّر في مدى احتفاظه بقابلية استهلاكه.
فبعض الأغذية والأدوية تستمر فعاليّتها لأشهر وبعضها لسنوات، وذلك لطبيعتها القابلة للفساد أكثر من غيرها، فضلاً عن الوقت الذي يمر عليها فيغيّر طبيعتها.
وكذلك في بعض سلوكياتنا مع الآخرين وشكل تعاملنا معهم، هناك حدود وشروط تحدد تاريخ انتهاء لسلوك أو تصرّف ما ومدى فاعليته.
فكيف نشخّص ذلك ونحن نتعامل مع بشر ذو عواطف وأحاسيس وليس مع منتوج مادي صناعي؟
الأمر شائك، لأنّ هناك حالات عديدة، فقد يكون الشخص المقابِل قريب نهتم لأمره، أو عزيز على القلب نقلق عليه، غريب يطلب المساعدة، أو جاهل يبتغي المعرفة، أو حتى عاقل يريد الإحاطة ببعض الأمور، وتبقى القائمة مفتوحة والخيارات متعددة...
الجواب هو نسبي بالطبع، فالعتب صابون القلوب كما يقال، ولكن قد ينتهي في بعض المواقف والحالات مفعوله التطهيري، فلا يصلح للتنظيف ولا للتعقيم، بل قد يكون بلا نفع أو قد يُحدث ضرراً.. لماذا؟ ومتى؟ يجيبنا أمير المؤمنين عليه السلام الذي لم يترك من صغائر الأمور ولا كبيرها دون إشارة أو توضيح.
يقول صلوات الله عليه في واحدة من حكمه البليغة: "مَا كُلُّ مَفْتُونٍ يُعَاتَبُ".
إذن، قد نستشف من كلام الأمير الأشخاص الذين لا ينفع العتاب معهم ونصحهم أو محاولة اصلاحهم وتغييرهم، فقد يكون العتب في وضعهم لا جدوى منه، وحينها لا داعي لأن يبدد الإنسان طاقته في العتب أو الغضب عليهم، وقد يكون العتب كذلك يضرّ بالمقابل وينفّره أكثر.
المفتون.. هو من تلك الفئة، ولذلك على الإنسان ألّا يستعجل في إطلاق الأحكام، وأن يدرك الوضع قبل أن يُقدم على العتاب، وهناك مؤشّرات تساعده على ذلك ومنها كون الشخص مُفتتن ومُبتلى في جانب معيّن، وتختلف أنواع الاختبارات فقد يكون في جسد الإنسان أو أبنائه، ماله، عمله، علمه أو حتى في عقيدته ودينه.
فصاحب الابتلاء ليس كالمعافى منه، ووضعه النفسي يختلف بكلّ تأكيد، وعليه تختلف طريقة التعامل معه، ومن ذلك العتب عليه في مسألة ما، وقد يظنّ البعض أن العتاب يدخل في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وذلك صحيح في بعض المواقف ولكنّه أحياناً قد يتحول لجدال عقيم، وفي هذه الحالة لن يُثمر العتب إلاّ حنظلاً.
فعلينا أن نتأنى في العتب ونحدّد وقته وموضعه في كلّ الجوانب مثلاً بين الزوجين، مع الأبناء أو الأصدقاء، فليس كلّ موقف يستحقّ التوقّف عنده ولَوم صاحبه.
فالمطر يهطل على جميع الأراضي، لكن ليست كلها تزهر، فبعضها بوار لا تصلح للزرع والشجر وكذلك البشر قد لا يكون هناك قيمة ولا فائدة للعتب عليهم.
اضافةتعليق
التعليقات