الساعة الثانية ظهراً والشمس في كبد السماء والحزن يسود المكان، أبناء مدينتي مصابون كلهم بالعمى ربما أشخاص معدودون هم فقط من يستطيعون الرؤية ومع ذلك هم يتظاهرون بالعمى أمام الناس، العمى هو أمرٌ مأساويٌ حل بنا، بسببه عانينا الكثير.
أن تكون أعمى هو يعني أنك محرومٌ من نعمٍ كثيرة لم اهنأ بنومي لليالي ولم يفارق بالي من سيُجلي العمى من حياتي، الكثيرون مثلي أيضاً مصابون بالعمى ولكنهم لايكترثون بما أصابهم هم يعيشون حياتهم ولا يبالون لا يهمهم أن يعرفوا كم أن الشمس جميلة وأن لها نوراً ساطعاً ينير الظلام الذي حلَّ بنا وأنها هي سبب الحياة ولولاها لما بقينا أحياء.
بقيت أسأل عن الشمس كل من شاهدها وسمع عنها وأطلب منه أن يصفها لي بتُّ أتخيلها كل ليلة قبل نومي فأنا لم أعرف الشمس حق معرفتها ولكن بمعرفتي القليلة همتُ شوقاً لرؤيةِ نورها وددتُ لو يصلني ولو بصيص من شعاعِ ضيائها، بقيت على حالي إلى تلك الليلة..
ذهبتُ إلى سريري اغمضتُ عيني شرعتُ بالوِرد اليومي لتخيل الشمس...
يا أيتهالشمس هلا رفقتي بي
اعيش في العمى أَحِنُّ لنوركِ
إرأفي بي ولو ليوم واحد ولو لساعةٍ واحدة
اسمحي لي أن أشاهدك حين تشرقين في الصباح، بعد نطقي لهذه الكلمات غفوت ولكن ليس ككل ليلة فنومي اليوم كان مريحاً كما لو أني أنام على الغيوم، شممتُ رائحة الزهور تفوح في الارجاء كأني لستُ على سريري!.
أَنا في بستان تحوطني زهور ذات عطور زاكية فواحة تداعبها الرياح لنشر عبيرها في الواحة الغناء، فجأة شمسٌ ظهرت من خلف السحاب أنارت عتمتي، فتحتُ عيني لم أعد أعيشُ في ظلام، أنا أرى يا الهي أنا أرى، لم أعد عمياء!!
لقد وصلني نور الشمس
يا الله ما هذا أين أنا؟!
يالنوركِ ياشمس إنهُ يمد الكون كله
لو تعلمين؟؟
كم تعذبت حين كنت عمياء
كم تألمت لأني لم أكن أستطيع أن أراكِ
أرجوكِ ياشمس ابزغي في مدينة العميان.
وأخيراً تحققت امنيتي..
حلمي..
هدفي..
غايتي..
آه... آه
بكى أخي الصغير قفزتُ من سريري لأتلمس الباب وإذا بي أشعر أني عدت عمياء، السواد خيم عليَّ أنا لم أعد أرى الشمس، شرعتُ بالصراخ:عتمة عتمة أنا أخاف الظلام أعيدوا لي الشمس لا أريد أن أعيش دون نورها.
تجمع والديَّ وأخواني حولي..
- أمي: مابكِ ياصغيرتي إلم تعتادي الظلام؟؟ اشعلوا السراج وافتحوا النوافذ..
- أماه لقد رأيتُ الشمس لقد أبصرتُ أخيراً ولكني الآن قد عدت عمياء.
اخذتُ أسير في أرجاء الغرفه وأُردد:
((وين أروح يل كل شي بلا نورك ظلمة))
فتحت عيني حدقت بالسماء حدثتها بلغة العيون: لن تفيدني شمسك ياسماء ولا ايُّ ضوء آخر فأنا مطلوبي شمس الحياة..
أعادتني الذكريات إلى ملامح وجهٍ قاسٍ..
- أنتِ في وهم كفاكِ ذكراً للسراب، انسي محبوبك واستمتعي بالحياة..
- لا..
إن سعادة الدنيا مهما استلذت هي السراب والسعادة الحقيقية هي: لقاه.. حبه.. معرفته..
عَمانا لم يكن عمى العيون بل كان عمى القلوب.. فقلوبنا هيَ التي تعاني غيابك يابن الحسن..
الله أكبر.. الله اكبر
أذن اذان الفجر، ياترى هل سأحضى بسماع اذان ظهورك؟؟
هل سيرتوي عطش شوقي بلقاك؟؟
هل سأشاهد رحيل الشمس التي في السماء خجلةً من نورك ياشمسي وياقمري؟؟
اضافةتعليق
التعليقات