في صباح يوم أمس استيقظت من النوم على أثر حلم غريب من نوعه، حلم لموقف حقيقي حصل معي قبل سنوات عديدة، لا أدري كيف خطر على بال مخرج أحلامي أن يحبك لي قصة تتعلق بسنوات عديدة قد مضت بكل الأحوال سواء بحلوها أو مرها، وهنا أقصد بمخرج أحلامي عقلي اللاواعي، ولكني لا أبالغ إذا قلت بأن الحلم كان حقيقيا للغاية لدرجة إني حتى بعد استيقاظي كنت اشتم رائحته في أرجاء الغرفة!.
لا أدري ما الحكمة بأن أرى حلما كهذا، خصوصا أنه كان يتعلق بموقف قديم كما نوهت سابقا، ولكن الغريب بالموضوع أن هذا الموقف لم يشغل بالي في الفترة الأخيرة كي أحلم به، إذ يقول العلماء أن الاحلام التي يراها الانسان تتعلق ببنات أفكاره قبل النوم، أو بأمور قد شغلت باله في تلك الفترة.
على العموم لم أفوت الموضوع هكذا، ولا أكذب إذا قلت لكم بأنه بالفعل قد شغل بالي وعاد بي سنوات إلى الوراء..
لا أريد أن اذكر لكم الموقف الذي عشته قبل سنوات بالتفصيل فمساحة الموضوع واسعة جدا على هذا المقال، ولكن الأمر الذي يجب أن تعرفوه بأنه موقف مؤلم للغاية، ومليء بالأحداث التراجيدية الصعبة!.
موقف أخذ مني الكثير، سواء من الوقت أو الجهد النفسي والقلق، وكما تعرفون جميعا بأن الصحة النفسية عندما تتعب تؤثر سلبا على الصحة الجسدية وتأخذ بصاحبها إلى الهاوية!، خصوصا الأشخاص الذين يعانون من القولون العصبي، هؤلاء بالذات عندما تتأزم نفسيتهم، ينتابهم ألم عصيب في منطقة ما أعلى المعدة ثم غثيان شديد، هؤلاء فئة المساكين يحاولون أن يتقيؤوا الوجع، ولكن الوجع يبقى راكدا في القلب ولا يخرج منهم إلا الطعام الباقي في المعدة!.
ولا يمكننا طبعا نسيان أصحاب الصداع النصفي، الفئة التي ترتبط قلوبهم بمركز التفكير المباشر، هؤلاء الذين تقيس حالتهم النفسية من عدد المسكنات التي تناولوها، ومن عقدة (الشال) الذي يلفون به رأسهم من شدة الألم، ولو كان بيدهم لاقتلعوا رأسهم وارتاحوا منه، لأن هؤلاء المساكين يأكل الصداع برأسهم كالنمل الأسود!، وكأن الحزن الذي يأكل قلبهم ليس كافيا عليهم!
على العموم ما أريد الوصول اليه هو أن الصحة النفسية لها تأثير قوي جدا على صحة الانسان..
وأنا قد مررت بفترة صعبة استمرت قرابة عام كامل من القلق والحزن والوضع النفسي والصحي الباهت، ولكن الموقف قد انتهى!، وقد مرت فترة طويلة على ذلك، إنها أعوام طويلة، ولا أريد أن أقول بأني نسيته من الأساس، لأني لا أريد أن أكذب، فحدث بهذا التأثير من المستحيل أن يُنسى، ولكني على الأقل ما عدت أفكر به، وما عاد يشغل مساحة من قلبي وعقلي، إنه مجرد ذكرى في أرشيف حياتي الماضية..
ولكن الشيء الذي أثار تساؤلي اليوم وبعد الحلم تحديدا، أين ذهبت كل تلك المشاعر والحزن الذي عشته في تلك الفترة؟
حتى وأنا أتذكر الموقف لا ينتابني شيء من الحزن، حسنا حتى أكون صادقة أكثر أشعر بالأسى على ما فات ولكن القلق والتوتر والحزن الذي سلب مني حياتي الجميلة ما عاد موجودا الآن!.
أين ذهبت يا ترى ليالي الحزن واليأس؟، ماذا عن ذلك الجرح الملتهب الذي أكل مني عافيتي! كيف حاله اليوم؟، اوو إنه أمر غريب، لا شيء! ليس هنالك شيئا من الأساس.
وأنا أرمي تساؤلاتي في ساحة العقل، كانت الإجابات كلها تشير إلى الله، إلى تلك النعمة التي وهبها لنا كي ننسى بها جراحاتنا ونكمل حياتنا من حيث ابتدأنا.
الله أنعم علينا نعمة الزمن كي ننسى، الزمن كفيل بأن يصنع لنا جسرا نعبر به المواقف المرة والانكسارات التي تعرضنا لها في هذه الحياة.
وانا أفكر بهذه الأمور، تذكرت موضوعا مصيريا قد شغل بالي منذ فترة قليلة، فقلت مع نفسي حتى وإن حدث فبإمكاني تجاوزه مادام هنالك الله، ومادام هنالك زمن، حتى وإن انكسرت هذه المرة أيضا سأنهض، وسأكمل حياتي كما يريد الله.
ولأني تيقنت عن تجربة بأن هذا الانكسار اللحظي لن يبقى منه في المستقبل إلاّ الذكريات.. ككل المواقف التي مررت بها سابقا، فرغم وجعها إلا أنها مرّت.
إذا لماذا أعيش نفسي في قلق الحالة قبل دخولها حتى، أو أتجنب اتخاذ بعض القرارات لأني خائفة من نتائجها عليّ، وكأن سأموت لو فعلت هذا!.
لا يا أصدقائي لن تموتوا صدقوني، نعم ستمر عليكم أياما تبكون على وسائدكم وتمسحون دموعكم وحدكم، ستأتي عليكم أيام لن تملكوا أحدا تفرغون عنده قلبكم المتعب.
ستمر عليكم شهور تلتفتون يمينا ويسارا ولن تجدوا صديقا واحدا تضعون رأسكم على كتفه، أعلم بأن هنالك مواقف ستمر عليكم وأنتم في عز الحاجة المادية وأقرب الناس إليكم يفرغ جيبه المثقوب أمامكم!.
ربما ستضطرون أن تعيلوا حزنكم بمفردكم وتواجهوا الحياة وتسمعوا أقاويل أشد من السم ولا تملكون حينها جوابا إلاّ الصمت، ولكن لا بأس، إنها ستنتهي، ووقتها صدقوني لن يبقى منها إلاّ الذكريات!، وستكونون بعدها أقوى وأعز.
إذن كُن يا صديقي على قدر الاختبار، ولا تزعج نفسك من أجل الاخرين على أشياء ليس فيها إلاّ المضرة عليك!.
جازف بحياتك لفترة قليلة من الألم بمقابل عمر من الكرامة، فكم من إنسان عاش تحت وطأة ظلم سيده لأنه خاف الجوع، لا يا صديقي انتفض ونم اليوم جائعا كي تعيش غدا حرا.. ابكِ اليوم كي تضحك غدا.
فالحياة بالنهاية لا تنتهي عند لحظة انكسار، بعض المواقف التي تكسرك تقوي بنيتك المعنوية، وتجعل منك إنسانا أقوى وأنضج، وتصقل روحك كيفما يريد الله.
اضافةتعليق
التعليقات