هل بامكان الحاج الى بيت الله الحرام ان يكتشف سرا من اسرار هذا التوجه المليوني نحو رب الارباب؟ وهل بمقدوره ان يعطي تفسيرا جديدا لهذه الرحلة الروحانية والتي يغبطه عليها الاف البشر؟.
للجواب على هذه الاسئلة وامثالها، نعم بالتأكيد. فكل حاج يستطيع ان يكتشف سرا من اسرار الحج فيما لو توجه بقلب مقبل الى الله سبحانه، فإنّ للحج اسرار تفتح على القلوب الملتفتة والمتوجهة الى الله بكليّتها، والمتعطشة للحقائق الربّانية.
أما القلوب المنشغلة بامور الدنيا عن الله سبحانه، فانها من العسير عليها ان تلتمس سرّا واحدا.. لأنها قد خلقت حواجز الصد للنور الالهي، وجعلت من العوائق المادية سدودا منيعة، فهي بمثابة الاقفال التي ترهقها.. وكالغشاوة او (الرين) باصطلاح القرآن والذي بدوره يمنع رؤية حقائق الزلفى والقرب.
هناك من الحجيج من تأخذ اللهفة بكل جوارحهم بل وكل جوانحهم، فهم والهون اشد ما يكون الوله ببيت الله الحرام، ومتيّمون بعشق تلك الديار التي شهدت انطلاقة الفجر الصادق للاسلام الاصيل، وهذا العشق الوجداني يحدو بهم للتأمل في كل حركة من حركات حجهم، والتعمق بكل مفردة من مفردات هذه الشعيرة الالهية.
فهم ما وردوا الحج كي يؤدوا مناسكه بكيان خال من الشعور بمعطياته الروحية وابعاده الحياتية.. بل وردوا الحج كأسراب الحمام المتعطشة لغدير الماء بعد رحلة طويلة للبحث عن مصدر رواء.. فكم سيكون حرصها ياترى للتزود بالماء قبل ان تؤوب الى ديارها؟!
والحاج بدوره يرى في الحج زوّادة لسعي دائم يعود عليه بالمنافع الدنيوية والاخروية.
إن مشاعر الحجة الاولى قد لا تتكرر فيما بعد.. من هنا فان المشاعر الأولى ينبغي الحرص عليها ومحاولة استلهام الزاد الروحي من خلالها، وإلا فانها سرعان ما تنسى اذا لم ينتبه الحاج اليها.
فلا مناص اذن من الخروج من كهف الذات الدنيوية المظلمة، والانطلاق الى رحاب بيت عظّمه ربه، وجعله مأوى الارواح الهائمة بحب محمد وال محمد. فإنّ في السكن الى ذكرهم .. والتنسم بعطر دوحتهم.. والرجوع الى كنفهم والاعتصام بحبلهم جُنةً لكل حاج يروم الجنة والرضوان.
اما الأمان فهو مطلب كل حجيج الرحمن، ولن يتأتى هذا الامان إلا في بيت الله الحرام كما قال تعالى في محكم كتابه الكريم: (ومن دخله كان آمنا).
فمن أراد ان يفهم اسرار الحج وحقائق الاسلام لابد له من التسلح بسلاح التفكر والتأمل اللذين ينقلانه الى اجواء روحانية مشحونة بحب الله وحب رسوله وحب عترته الطاهرة.
وفي الختام فإن الحج ما هو إلا رحلة جماعية للقاء المعشوق الاكبر، وهو بالتالي رحلة عشق لكل متيّم يبحث عن ليلاه.. (ففرّوا الى الله..) أيها المسلمون فإنّ في الفرار منه اليه ارتماءٌ في حضن الرب المحب الودود، فسبحان من لا يغلق بابه بوجه مريديه.. وسبحانه من ربٍ رحيم.
اضافةتعليق
التعليقات