عندما ينغمس الانسان في عالم الماديات بحيث تستحوذ على كل وجوده وكيانه عندئذ يحس باللاهدفية فتكثر اعراض هذا الشعور مما يؤدي الى الاكتئاب والتوتر والقلق وربما الى الانتحار و...، وكي ينقذ الانسان نفسه من هذا المرض لابد ان يوازن حياته بين الماديات والمعنويات أو مايسميه مؤلف الكتاب النقلة من الطموح الى المعنى، من هذا المنطلق كان كتاب النقلة لمؤلفه د. واين داير كتاب الشهر الذي نوقش في الاجتماع الشهري لنادي أصدقاء الكتاب في مقر جمعية المودة.
إن "النقلة" هي دعوة الكتاب من أجل إستكشاف عملية الحركة بعيداً عن الحياة التي لاهدف لها والتحول الى أُخرى عامرة بالمعاني والاهداف..
أولاً: إن النقلة الاولى هي التي تكون من الروح النقية التي لاصورة لها الى الصورة أي (من العدم الى الوجود)، بمعنى إنَّ كل شيء عبارة عن طاقة وأن كل شيء يهتز على عدة ترددات وكلما كان التذبذب أسرع كان الانسان أقرب الى الروح والى فهم من أين أتى؟.
ثم أشار الى إن الفكرة الاهتزازية الاسرع والاسمى والتي سوف تبقينا دائماً أقوياء هي طاقة الحب، وإن كل فكرة مناقضة للحب تبعدنا عن المكان الذي أتينا منه وعن الفطرة السليمة التي جئنا بها وهذه هي الصورة التي يجب أن ننتقل اليها..
أما العدم: فهو الأمر الوحيد الذي يمكننا الاتفاق حتماً فيه وهو إننا لم نكن نملك شيئا فيه، وإنهُ مُعادل لمفهوم الصفر رياضياً فهو لايقبل القسمة وليس له قيمة تجريبية واذا قُمنا بعملية ضرب أي عدد بالصفر فالنتيجة هي لاشيء ولكن مع هذا فأن هذا الصفر الغير القابل للقسمة بدونه تغدو الرياضيات في حد ذاتها مستحيلة..
أما فكرة الأحدية نراها تنسجم تماماً مع فكرة العدم، فكيف يُمكن على مستوى جوهرنا الروحي أن نكون لاشيء؟ ولكن نصل في الوقت ذاته بشيء يـُدعى الاحدية؟
إن كل شيء في عالمنا المادي هذا متصل بطريقة أو أخرى مع كل ماسواه، ولهذا فأنَّ فهم فكرة الاحدية هو أمر يستحيل إدراكه لأننا نعيش في عالم من المتناقضات التي تتطلب اكثر من عنصر واحد، وبالتالي يتجسد معنى الحياة عندما نكون قادرين على العودة الى الاحدية والعدم بينما لانزال في صورتنا المادية دون ان نضطر الى الخروج من أجسادنا في الطقس الذي نسميه الموت.. فكلما اقتربنا من اختيار طبيعتنا الاصلية تتدفق المزيد من السكينة والغاية الى دواخلنا.
ثانياً: من الجُسيم تحت الذري إلى لحظة الولادة، من الوجود المُمعن في القِدم الى لحظة الولادة..
وهُنا تلخيص للمفهوم المراد طرحه بعد التكهن في النقطة الاولى..
فالعدم: هو ان تسمح لنفسك ان تستمع بالصمت والتأمل حتى وأن لم يكن لديك تمرين تأملي مُنظم، ببساطة إمنح نفسك وقتاً من أجل تذوق الصمت..
والأحدية: هو إن تبدأ النظر الى نفسك على أنك مرتبط بكل انسان تقابله من خلال تقدير ومحبة الجزء الذي في داخلك والذي يسري في الحياة بأكملها..
والاستسلام: يعني ممارسة فن السماح اي فن التخلي عن إحتياجاتك الى التحكم بالعالم وكل من فيه ففي بعض الأحيان الراحة تكمن في التخلي أكثر من التمسك ..
بعدها نصل الى المحطة التي رام الكتاب الوصول اليها وهي الطموح ..
ما أن نخرج من عالم الروح في لحظة الولادة حتى نبدأ رحلة محفوفة بالمخاطر، رحلة إكتساب هوية متناقصة عملياً لذاتنا الحقيقية ..
وأن هناك ست مكونات لـ (الأنا المُزيفة) التي تُخاطبنا كي تقنعنا إننا شي مختلف عن كلُ واحد
ومن مكونات الأنَّا المُزيفة والتي رُبما ما نزال نحتفظ بها من مرحلة الطفولة هي:
١- ما املكه يُحدد من أنا.
٢- ما افعله يُحدد من أكون.
٣- آراء الاخرين تُحدد من أكون.
٤- أنا مُنفصل عن الجميع.
٥- أنا منفصل عما هو مفقود في حياتي.
٦- أنا مستقل.
أما الفصل الاخير والذي كان ختام الكتاب فقد أشار الى الخطوة التي نقوم بها بعيداً عن أوامر الأنَّا المزيفة والتي تسعى جاهدة وراء الطموح في اتجاه الذات الحقيقية التي تُغذيها الغاية وتُغذي بدورها الغاية، حيث يستكشف تغيير الاتجاه الذي تريدنا الأنَّا المزيفة أن نسير فيه من خلال القيام بانعطاف كامل والعودة الى مكان نشأتنا..
إن الإنعطاف الكامل هو نقلة من الطموح وعودة الى مكان نشأتنا كي نفوز بوعد حياتنا المُنتظر وهو الوعد بحياة مفعمة بالغاية والهدف ..
إن الطموح مدعوم الآن من مصدر وجودنا وهو يتذبذب على موجة أعلى من الذات المزيفة التي تدعمها الأنَّا وعندما نعود الى مصدرنا الفطري فأن عالم المعنى يعتبر نقطة نشأة وسوف يضعنا على المسار الذي يقودنا الى أسلوب حياة يدعم الكمال الكامن فينا..
وهناك علامات الاستعداد للانعطاف الكامل من الطموح الى المعنى ومنها:
١- يصبح إصرار الأنَّا المتكرر على فعل وإمتلاك المزيد أقل جاذبية.
٢- تبدأ النقلة من فعل المزيد الى فعل الأقل.
٣- تبدأ في الابتعاد عن الاضواء وتقوم بواجباتها في الظل.
٤- يحل الايمان بالاتحاد مكان الايمان بالانفصال.
٥- نبدأ ندرك إننا متصلون روحانياً بكل شيء كنا نظن إننا نفتقده في حياتنا.
٦- نبدأ نثق في الحكمة التي خُلقنا من أجلها..
ولكن هناك نُقطة لابد من الإلتفات اليها وهي يجب أن نتوقع عند تغير وجهة الحياة سيكون الأمر حالهُ حال كل أمر جديد يُداهمنا، فالنقلة من صباح حياتنا الى أصيلها ينتج بعض المواقف المفاجئة ومتى ما تمكنا من الانعطاف الكامل للأنا المزيفة بالانتقال للتمكين الذاتي والاتصال بالجميع وتحريك الحياة بالاخلاق والسكينة حتى الانتقال الى إمكانية أن تكون المعجزات جزءا من حياتنا وممارسة التأمل ستتمكن اللحظات الكمية من تقديمنا الى ذاتنا الحقيقية..
أما التغير الكمي أي عندما يتسبب عيد الظهور والرؤى الداخلية في تغيير الحياة العادية والذي هو تحول شخصي مشرق مفاجىء نافع ثابت، وبالتالى ستكون الحياة ذات معنى في توقير كافة جوانبها بكل مافيها دون السماح للأنا المزيفة أن تورطنا في التعقيد.
مُشيراً الى إنهُ يجب الحذر من ثلاثة أشياء أثناء عملية الإنتقال الى درب الحياة ذات المعنى والهدف وهي :
١- النقلة من الاحقية الى التواضع :
وهي نقلة بارزة عن نمط أفكار الأنَّا المزيفة المألوفة، والتي تقول لنا الحق في كذا بغض النظر عن أثر ذلك على الاخرين وعلى الكوكب ..
٢- النقلة من السيطرة الى الثقة:
اذا كنا صادقين مع أنفسنا سيستطيع كل واحد منا ان يقر إننا مطلعون على جانب الأنا المزيفة التي تتحكم وتدير حياتنا، ويحاول جاهداً أن يفعل الشيء ذاته تجاه الاخرين..
٣- النقلة من التعلق الى التخلي:
وتضمن التخلي عن إرتباطات الأنا المزيفة او الخوف من شيء ما فالأنا المزيفة لاتحب شيئاً أكثر من إن تكون على حق دائماً، ولذلك عندما نتحرك في إتجاه ذاتنا الحقيقية تصبح كل النقلات في هذا الفصل عن المعنى طريقة طبيعية للوجود.
وتصبح المواقف الجديدة مريحة ونلاحظ كيف أن مطالب الأنا المزيفة التي سمحنا لها أن تُهيمن على وجودنا لم تعد مريحة وعندها يتفوق المعنى على طموح الأنا المزيفة.
وجدير بالذكر أن نادي اصدقاء الكتاب اسسته جمعية المودة والازدهار والذي يهدف الى تشجيع القراءة والمطالعة عبر غرس حب الكتاب وفائدته في المجتمع.
اضافةتعليق
التعليقات