جلستُ امام شاشة التلفاز أُقلبُ القنوات الواحدة تلو الأخرى أراقبُ بعين تملؤها الدموع وبقلب كهلٍ نبضاته تتسارع وتتراجع فتتبأطأ وذاكرتي تعيد عليّ ما قاله لي ونبرات صوته الواثق ترن على مسامعي.. سننتصر وسيزفون يوم التحرير ويشاهد العالم ما أنجبتْ أمهاتنا، ونظر الى عينيّ وبدأ يطمئن الخوف القابع بهما وأراه شهيدا مئتزراً كفنه.
فحضنتُ بيديّ وجهه المفعم بالحماس.. حبيبي وسندي أتتركُ امك؟ وقد وهنتْ وشابَ شعرها وانحنى ظهرها فابتسم في وجهي، يعزُ عليَّ فُراقكِ يا أغلى ما أملك في هذه الدنيا، لكن يجب ان ألبي نداء المرجعية فلا تحرميني هذا الشرف وهذه الشهادة، فأجبته: الا يحق لي أن أبخل على ابني الوحيد الذي أريده ذخرا وعونا لشيبتي، حبيبي هنالك الكثير من لبى نداء المرجعية فلا تحرمني منك.. فتغيرت تعابير وجهه وكأنَّ صبره قد نفذ وكانت الحيرة في عينيه بين الشهادة وتوسلات إمرأة عجوز..
فأجابني بصوت خافت: أماه تمنّي لي الشهادة فإني أرى الجنة قد أزلفتْ لي وأنا شهيدٌ مخضبٌ بدمي أدافع عن أرض النبوة أرض الشموخ وأضرب بيدي الباطل الذي تمثل برموز داعش.. أماه حياتنا قصيرةٌ في هذه الدنيا فاتركيني أذهب للجهاد كي أموت ميتة الأحرار وأزف الى الجنة وسأنتظركِ هناك عند باب الفردوس..
فلم تكنْ دموعي كافية للحيلولة بينه وبين تلبية نداء المرجعية ونداء الشهادة وما إن بزغ فجر جديد حتى توارى ولدي بعيدا وتأزر كفنه والأبتسامة تُجمل وجهه المشع كأنه بدرا في تمامه..
وتوالت الأيام والمعارك تدور بين أبطالنا الأشاوس وبين زمر الإرهاب وقوى الظلم والجور والبهتان، وفي يوم مشرق أحسستُ بروحي تفيض مني وتعود اليّ بلا هوادة وأُصبر النفس وأُقتل آهاتي بأن ولدي ونور عيني سيعود وأرى ثغره مبتسما والنصر بين عينيه وما هي الا ساعات من النهار واجتمع الاقارب والجيران يهنئونني: هنيئاً لمحمدٍ الشهادة..
فنزلت دموعي لكنها كانت باردة وعبارة (أزلفتْ الجنة... أزلفتْ الجنة) التي طالما رددها على مسامعي أصبحت نغما يرنّ في داخلي، وأتى محمدا وقد زُفَّ بعلم العراق وأصبحتُ صابرة محتسبة أترقبُ يومَ النصر حتى نادوا في التلفاز (أنتصرنا وحررت الموصل) فخرجتُ الى الشوارع التي احتضنتْ الناس وهتافات النصر تعلو فرأيته سائرا بين الجموع متوجهاً اليَّ.. ويقول: (أزلفتْ الجنة... أزلفتْ الجنة).
اضافةتعليق
التعليقات
2017-07-19