لماذا يا امي؟! نزلت دمعاتها على عينيها كلؤلؤ ابيض يلمع تحت اشعة الشمس... كان سؤال محمد هذا الطفل البريء الذي لم يتجاوز عمره الثانية عشر كفيل بإثارة الشجون شجن ابكى كل من في الغرفة البسيطة، كان جداه حاضرين وخالاته وعمّاته وكلّهن ارتدين السّواد حزنا على والده الشهيد.
لم يكن سؤال محمد عن سبب شهادة والده فهو يعلم انه رحل الى الجنان حيث رحمة الله الواسعة، يشعر بالفرح والسرور وينتظره ان يكبر ليحمل السلاح ويلتحق به بعد سنوات من الكفاح والايمان.
لماذا يا امي؟! عن اي شيء يسأل محمد... كان يسأل... لماذا رأس والده فقط هو ما يأخذه قبره بل روضته ومكان اقامته قصره وفردوسه!.
مسحت الام دمعات عينيها: اباك يا بني كان يحب الامام الحسين عليه السلام كثيرا لذا فواساه كما واسى يحيى بن زكريا نبي الرحمة... قصة الرؤوس المقطوعة اسرار بقاء الامم وانتصار الدم قصص المظلوميات والشهادة... كان نبي الله يحيى ثائرا على السلطة الكافرة فأمر بقطع رأسه ولكنه بقي حيّا في النفوس واسمه دليل بقاءه، صحيح اننا نجونا من الطاغوت في زماننا ولكن اثر ظلمه بقي ومن ظلمه ياولدي اننا ابتلينا بمن لا يفهمون سماحة الاسلام ولا حب الحياة... الحياة يا ولدي التي كان يحبها اباك... الحياة التي نضحي بها من اجل الاخرين، كم عزيزة هذه الحياة.
انصت محمد لكلمات والدته وسط عائلته ثم قام بعد ان مسح دمعاته هو الاخر.
-اعلم يا امي ان ابي بطل لم يرضَ ان يموت الاخرين بلا سبب، يذهبون مظلومين بالتفجيرات دون اي ذنب، لقد اراد من هذه القضية ان تكون قضيته يوم القيامة.
قبّل الجد حفيده بين عينيه .
- كم كبرت ياولدي وانت الكبير ابن الكبير... كبير لأنك ستعتني بامك واخوتك وابن كبير لان والدك اعتنى بالامة وابناءها.
بدا الارتياح على وجه الجميع.. ووضعت المائدة، كانت مائدة جميلة بها مختلف الفاكهة، اذ توسطت المائدة دجاجة مشويّة ووضع الشاي على طرفها فأصبحت الجلسة جلسة سمر بين العائلتين عائلة ابو محمد وام محمد وكأن المائدة مائدة إلتقاء وليست مائدة فراق... نعم فقد التقى ابو محمد باخوانه الذين سبقوه في ساحة الجهاد.. والتقى الائمة عليهم السلام والتقى حبيبه الحسين عليه السلام فما اجمله من لقاء!...
كانت ام محمد تتساءل في نفسها ان كان طفلها الصغير يستوعب القيم التي استشهد من اجلها والده، وكانت عيون فاطمة وزينب الصغيرتين تراقبان ما يدور.. لكن هل كن يفهمن ما يدور؟
لا احد يدري فهما وان كانتا صغيرتان كن يساعدن والدتهن بحمل اطباق الطعام وتنظيف الدار .
مرت سنوات على هذه الحادثة، كبر خلالها محمد الصغير واكمل سنواته الجامعية واخذ شهادتها وادخل الفرح على قلب والدته الحزين، وكبرت اختاه احداهما في السنة الاخيرة من الدراسة المدرسية والاخرى في السنة الاولى من الجامعة .
اصبح محمد طبيبا لانه اراد ان يطبب الناس المرضى وان كان يعتقد ان المرضى ليس من في اجسادهم المرض، انما في عقولهم فالذين يحملون البغض والشحناء والافكار الخاطئة هم المرضى الحقيقيون الذين تسعى اخته فاطمة معالجتهم ريثما تصبح مّدرسة تدرس العلم الحقيقي الذي تقوّم به النفوس وتصحّح به المبادئ والقيم.
اما زينب الصغيرة فهي لا تبارح امها فهي حبيبتها ورفيقتها، تشاركها الاحاديث وتتلو عليها ما يحدث معها وصديقات المدرسة.
وهو جالس في احد الايام في عيادته دخل عليه صديق لوالده يدعى ابا ليث .
- دكتور محمد
-اهلا اهلا ابا ليث .
- دكتورنا الغالي سمعت انك خطبت، مبارك والف مبارك.
-شكرا وسأتزوج الشهر القادم ان شاء الله .
-على الخير بالرفاه والبنين لقد فرحنا لك وسعدنا بسعادتك، عسى الله ان يوفقك ويكتب لك اياما كلها مسرة وحبورا....
وهكذا تستمر الحياة ...
اضافةتعليق
التعليقات