ان كثيراً من الناس يعيشون حالة من القلق الدائم على امور لم تحدث لهم، او انها حدثت لهم، ولكنهم لا يملكون القدرة على تغييرها، وهكذا فإنهم يجعلون حاضرهم تحت رحمة الماضي، او المستقبل مما يؤدي بهم الى الشعور باليأس والقلق والاحباط والضيق، ويدخلون في نوبات متكررة من الكآبة والحزن.
وامثال هؤلاء يؤجلون شعورهم بالبهجة والسعادة ليوم لا يأتي او انهم يبيعون هذا الشعور بيوم مضى ولن يتكرر.
ان الذين ينتظرون يوماً افضل من يومهم لا يسمحون لعقولهم بأن تعمل بما يضمن لهم عمل الأفضل في المستقبل بل إنهم سوف يكررون الأعمال نفسها التي تسلب منهم الشعور بالبهجة والسعادة في اي وقت.
فالذين لا يعيشون في حاضرهم يكررون دائماً الوسائل التي تؤدي بهم الى الشعور بالإحباط، يقول احدهم: "في حين ننشغل بوضع خطط لأعمالنا، فإن اطفالنا ينامون، وأحباؤنا يبتعدون عنا او يموتون، كما يسوء مظهر اجسامنا، وكذلك فإن احلامنا تنسل من بين اصابعنا، بإختصار فإننا نضيع حياتنا".
ويقول مارك توين: "لقد مررت ببعض الصعاب في حياتي، ولقد حدث بعضها بالفعل، اي ان كثيراً مما مررت به لم يحدث".
الا نرى ان كثيراً مما يحدث لنا بالفعل قد انتهى ولن يعود، وقلقنا بشأنه لا معنى له؟!، اذن لماذا نتمادى بالحزن على شيء من المستحيل ان يعود؟ ونعذب انفسنا ونعيش حالة من الإكتئاب والحزن الطويل، معكتفين عن الحياة في خلوة مظلمة، لن نخرج منها الا بضياع العمر والندم على شيء لا يستحق!.
الانسان بكل الأحوال لا يستطيع ان يحمل ثلاثة هموم متراكمة في وقت واحد: هم الماضي، وهم الحاضر، وهم المستقبل، فلابد ان يختار منها واحداً، فهل سنختار هم الماضي الذي ذهب ولن يعود؟، ام هم المستقبل الذي لم يأت بعد؟، إذن لم يبقَ سوى هم الحاضر.
إن الماضي والمستقبل لا وجود لهما الا عندما نفكر فيهما، فهما من دنيا الآراء والأفكار، وليسا من الوقائع والأحداث، فلماذا نجهد انفسنا في صنع الحسرات على الماضي، او على المستقبل؟!، يقول احد الكتاب: "إذا اردت ان تعيش سعيداً فعش يومك".
اتعرف ماذا يعني ان تحمل هم الماضي والمستقبل؟ انه يعني بدل ان تحمل هم الدقيقة التي انت فيها، فإنك تحمل هم ساعة كاملة، وبدل ان تحمل همّ يومك الذي تعيشه، فإنك تحمل همّ الشهر الذي مضى، والسنة القادمة.
فإذا كنت تشعر الآن بألم في ضرسك، فأنت تعمم الألم وكأنك بدأت تشعر به منذ شهر وسوف تبقى تشعر به بعد لشهر آخر. مما يزيد عن الألم الشعور بالتحسر واليأس. فلا تنبش في الماضي لتستخرج منه مشاكل قد انتهت، ولا تفترض لمستقبلك مشاكل ربما لا تأتي.
أما آلام الحاضر فبدل أن تتوقع استمرارها في المستقبل فتصاب باليأس من شفائها، افترض زوالها، لأن كل شيء إلى الزوال، ولربما يأتيك المستقبل بالخلاص منها، فقد قال احد الحكماء: "منتهى السعادة ان لا تأسف على ما مضى لأنه ليس لك فيه حيلة".
ويقول البعض: كيف تطالبنا بأن نعيش في الوقت الحاضر، بينما الوقت الحاضر قد يكون مثيراً لليأس والإحباط والقلق؟، ألا نجد احياناً اننا على موعد هام، فإذا بنا نتعطل في زحمة المرور مما قد يؤدي إلى خسارة الموعد وما يترتب على ذلك؟
اليس مثل هذا الحاضر هو بحد ذاته مثيراً لليأس والقلق والإحباط؟، ان المطلوب هو ان نعيش في الحاضر، مع الاصرار على ان ننظر الى الجوانب المشرقة منه.
فإذا توقفت في زحمة السير، فلماذا تفكر بالموعد الذي سوف تخسره، ولا تفكر في الفرصة المتاحة امامك لكي تفكر مثلاً في امورك بعيداً عن الأنشغال بالآخرين؟!.
ولماذا لا تقول: ولعل الذي أبطأ عني هو خير لي لعلمك بعاقبة الأمور؟، يجب ان ننظر الى الامور بطريقة ايجابية، فمثلاً وانا اعمل يأتي احد عائلتي من الصغار ويقطع علي سلسلة تفكيري، ولكنني بدل ان انظر الى هذه المقاطعة بإعتبارها (مزاحمة) انظر اليها بإعتبارها استراحة اجبارية عن العمل الجاد، والانشغال ببراءة الطفولة لفترة قصيرة من الأعمال.
ان كثيراً من الحوادث التي تثير ضيقنا هي حوادث جميلة في حد ذاتها ولكن نظرتنا اليها تجعلها في نظرنا تبدو وكأنها قبيحة.
فسواء كان الإنسان يحتاج الى التعامل مع الظروف وتقلبات الحياة او حتى مع أناس غريبي الاطوار، وكان لا يرغب في القلق بشأن صغائر الامور فإن زيادة القدرة على الصبر تعد البداية الرائعة لذلك.
اضافةتعليق
التعليقات