عادت من حفلة عُرس وهي متألقة تجر بخطواتها كطاووس الغابة، فستانها الطويل المزخرف كان باهظ الثمن ومساحيق التجميل من اجود انواعها اضافت على جمالها لمسة سحر تخطف الانظار، دلفت مترنحة القت عليّ التحية وجلست امامي وقالت: كانت اجواء الحفلة ممتعة واكثر شيء اثار بهجتي وجود إبنة عمي ليلى لو رأيتِ ما كانت عليه من سوء الحال، من الواضح عليها انها لم تهتم بنفسها في الآونة الاخيرة فقد بَهُتَ جمالها وهي ترتدي اسوء فستان رأيته في حياتي، حَدثتُها عن ذلك أجابتني بكل احترام وبرود، لن نكون بجمالك يوما اتمنى لك قضاء وقت ممتع ثم توارت عن الانظار..
جعلتني انذهل من تصرفها وقلت: ابنة عمك ليلى إمرأة محترمة، متى آخر مرة اتصلت بها واستعلمت عن احوالها؟
اجابتني: اووه منذ زمن بعيد وما شأني بها اتركينا منها، ثم ذهبت لتقف امام المرآة واردفت: انا اعشق مرآتي، استيقض كل صباح لاقف امامها وانظر لنفسي، تخبرني كم انا جميلة وتجعلني اواضب على المرور بها بين الحين والآخر لتُريني ما انا عليه الآن وتقول لي ما يجب ان افعل لابدوا افضل، اعشقها لانها مرآتي المخلصة التي لا تكذب بشأن مظهري، تساعدني على ان اكون دائما بأبهى اطلالة.
تنبهني لاهتم بنضارة وجهي وتغذيته على الدوام كي لا تنال من جماله الخطوط والتجاعيد التي تتهجم وتزداد ضراوتها بمرور الايام، وتختار لي ما هو الانسب من الالوان لارتداءه لا تخفي عني شيئاً، ما دمت املك مرآة مخلصة تحدثني بصدق ولا مجال فيها للكذب فانها تزيح من دربي مشاعر القلق والتوتر، كل مرة اقف امامها ارى نفسي ملكة على عرش النساء، قالتها بتفاخر وغرور ثم اردفت:
يا تُرى لو لم تكن المرايا موجودة في حياة الناس على اي شاكلة سيكونون!!؟
ثم قهقهت بصوت ساخر ومرتفع لتسألني: ما هو رأيك عزيزتي؟
وهي تخلع قرطيها اتت طفلتها الصغيرة تحمل بيدها كأسٌ فيه شراب فاكهة تقدمت نحوها وتعثرت فوقع الكأس من يدها وانسكب الشراب على الطرف الطويل للفستان، صرخت صرخة مدوية افزعتني والطفلة لتنحني وتصفعها على وجهها وتقول: لما فعلتي ذلك، فتاة غبية هيا اغربي عن وجهي.. ارتعبت الصغيرة وارتجف جسدها لتنهال بالبكاء وتعدوا مسرعة نحوي احتضنتها لاهدأ من روعها، وانظر لتلك الحسناء بدت وكأنها وحش كاسر تود تحطيم كل شيء يعترض طريقها لانها غاضبة !!
انتفضت من مكاني واعتلت ثغري ابتسامة شفقة، تقدمت نحوها وامسكت بذراعيها وقلت: استديري نحو المرآة عزيزتي ماذا ترين الآن؟
قطبت حاجبيها وقالت مغترة: ارى عروس فاتنة وهي انا...
سألتها ثانية: هل انت متأكدة الا ترين شيء آخر في هذه العروس؟
اجابتني وهي تقف بقوام ممشوق والثقة تملأ نبرتها: او هل تكذب المرآة امامك!!
اجبتها بحدة: طبعا لا عزيزتي ولكن المرآة لا ترى ما انت عليه من الداخل ولو استطاعت رؤية ما بداخلك من قسوة وسطحية لقالت لك ما تراه دون تردد فهي مخلصة وصادقة ولن تخونك ابدا ولكن عيبها الوحيد انها لا ترى سوى هيأتك الخارجية، ولاءها لك مطلق ولا تشوبه شائبة لكنها لا تعلم بأنك خائنة عديمة الوفاء تخفين عنها الكثير ولا تبوحين لها بما تكمنين بداخلكِ كي تُريك حقا من انتِ، فقد جاء في الحديث الشريف (ان الله لا ينظر الى صوركم واموالكم ولكن ينظر الى قلوبكم واعمالكم) صدق نبي الرحمة (ص).
اعلمي عزيزتي وافهمي ان الجمال الخارجي سيزول مهما بذلت قصارى جهدك، تأكدي بأنه سيضمحل لا محالة، فالاجدر بك ان تهتمي بتغذية العقل والقلب والروح اولا لكي ينعكس ذاك الجمال الخالد ويزيدك حسنا ورونقا ليدوم بعد زوال جمالك الفاني ورحيلك المؤكد، دمت بخير عزيزتي استودعك الله ..
تركتها تنهار وهي تجلس على كرسي ملكي تشيح بالنظر الى المرآة وكأنها ابحرت نحو المجهول،علها تجد بر الامان لترسو عليه.
اضافةتعليق
التعليقات