كنتُ جالسة في مكانٍ عام قبل أيام لأُمتع نظري برؤية بعض الأزهار والأعشاب ولتجديد النشاط الذهني أذهب لهُ كل فترة.
ماهي إلا لحظات حتى رأيتُ فتاةً تُقارب عُمري دنت مني بدا لي أمرًا غريبا من أولِ وهلة فقد كانت تقترب مني وكلما أقتربت ازدادَ وَجهها عبوسًا وأمعنت أكثر بعينيّ.
بادرتُ بالسلام أنا أولًا علني أكسر الجو المشحون ذاك، فردت السلام بكل هدوء، طلبتُ منها أن تتحدث إن كنتُ أستطيع مساعدتها بشيء فقالت هل أستطيع أن أسألكِ سؤالًا؟ أرى أنكِ تستطيعين الإجابة عليه.
إستغربتُ من قولها وقلت تفضلي عزيزتي إذا إستطعت فأنا بخدمتكِ، ولكن علينا أن نجلس لنتحدث بأريحية أكثر، ولحسن الحظ كان بقربنا مقاعد صالحة للجلوس، بعد أن جلسنا طلبتُ منها طرح سؤالها، سكتت لحظات ثم قالت: ربما تجدين غرابة في سؤالي ولكنهُ في ذهني ولم أجد لهُ جواب ولا أعرف لماذا أنتِ بالذات سأطرحهُ عليكِ بالرغم من أنني لا اعرفكِ مجرد أنَكِ لفتِ إنتباهي وكأنَ شيئا حثني للحديث معكِ. إبتسمتُ لها علامة الشكر، رَمقت السماء بطرف عينيها ثم قالت: بدايةً أُبارك لكِ هذهِ الأيام السعيدة التي لا أعرف ماذا نستفيد منها. إبتسمتُ ولحُسن الحظ أنني أرتدي النقاب ولم تظهر لها ملامح وجهي المُستغرب إلى آخر حد!!
بادلتها التبريك وحثثتها على طرح السؤال.
فقالت هذا هو سؤالي، ماهي الفائدة من إحياء هذهِ الأيام؟ فهل هي ذات فائدة مثل أيام استشهادِ آبائهِ عليهم السلام؟
فهل الإمام المهدي عليه السلام بحاجة إلى إحياء ذكرى ولادته؟.
لم تُخطئ حين قالت أن في سؤالها غرابة ولكنني لم أُظهر لها إستغرابي قط بل قلتُ لها.
أسئلتكِ واعية تنم عن عقلية جيدة وهذا من حقكِ إن وِلدت لكِ أسئلة مستقبلًا لابأس بطرحها على ذوي الخبرة، ليس من الجيد أن يبقى السؤال معلق على سطح جدار العقل فقد أحسنتِ بطرح أسئلتكِ تلك، بالرغم من أنني لستُ بمقام الإجابة على أسألة تخصهم عليهم السلام ولكنني سأجيب بما لدي من معرفة متواضعة.
كلنا نتفق أن حياتهم عليهم السلام زاخرة بالمواعظ والعِبر وفي إستشهادهم أيضا واحياء ذكراهم بكل الأحوال هو فائدة للعِبرة كانت أم للعَبرة. وسؤالكِ المطروح ماذا يستفيد الحجة المنتظر من إحيائنا لذكرِ ولادته؟
إن احيائنا لذكرِ الصاحب المغيب (الظاهر) هو عبادة ولهُ كثير من الأجر والثواب فهو الذي بيمنهِ رزق الورى وبوجودهِ ثبتت الأرض. فلو صرفَ حتى للحظة واحدة- نظرهُ عنا، لتوقفت الدنيا وأحوالها. فمن المُخجل والمَعيب أن نستكبر ونستكثر إحياء ذكره عليه السلام.
ولكن يا حبيبتي لابدَ من إحياء الذكر الذي يسرهُ أكثر فحينَ نودُ أن نُقدم هدية لشخص قريب علينا ونعتز به فهل نقدم لهُ مثل مانقدم لغيره قطعًا لا، فبقدر المحبة والود نُهدي. لذلكَ علينا احياء ذكرهُ بأحياء قلوبنا الميتة التي اضناها العطش وتصحرت، وأرواحنا الذابلة التي حنت لنورِه فذلك ياعزيزتي يُدخل السرور إلى ولي الزمان فهو بحاجة للإنسان المؤمن حقًا، الإنسان الذي شذب نفسه وأنار قلبهُ بذكره الذي محصتهُ البلايا ولم يزِل الذي وحدَ وعَبد وفاق ورَشد وجاهد واجتهد.
من افنى نفسهُ واستغنى عن غيره من وجدهُ كُله فلا يسيرُ إلا برضاه ولا يتحدثُ عن سواه والوصول له مبتغاهُ وغِناه، لا يتحدثُ بشيء دونَ تطبيق ولا يُقدرُ بالتفريق ولا يهتمُ بالتنميق واتخذَ من أهل الله رفيق وسعى للحريق حتى يَزهُر وأحبَ متاعب الطريق. يسرُ الحبيب من أحب وذاب، من رأى الدنيا سراب، والتعلق بها خراب، من أتخذها فرصة، وأعتبرَ من الغَصة بل أحبها لأنها توصلهُ إلى ربه من عرف رب نفسهِ وحاول الثبات هذا الإنسان هو من يسرُ قلب الولي المنتظر (عج) فذكرى ولادتهِ واحيائها هي باب لكلِ إنسان ليُحيي قلبه حتى نسرُ قلبه المضنى بالحزنِ والألم وروحهُ الملتهبة وشوقهُ إلى مُنتظريه.
إبتسمت، فقالت: وكيفَ أبدأ بالسيرِ نحو رضاه؟
رنَ هاتفي واستأذنتُ بالرد وضعتُ الجهاز بجانبي وقبلَ أن أرفع رأسي وقعت عيناي على عبارة طبعتها على غطاءِ جهازي (مِفتاحُ الطريق حبُ فاطم) فابتسمت واختنقت بالعبرة (لاشيء يحدث عبثًا سبحان الله) قلتُ في نفسي. إستغربت الفتاة من شرودي فأجبتها حتى لا تتشتت أفكارها أُنظري عزيزتي هنا الإجابة واشرتُ إلى الجهاز. تهللت أساريرها وتورد وجهها العذب كأنها استغربت هي الأخرى أيضًا!!
إبدأي معها فهي مفتاح الوصول. لحب الله وحب ولي عصره. صمتنا لحظات فجاءت والدتها تحثها على القيام فالشمس شارفت على الغروب.
نظرتُ إلى السماء وأمسكتُ بكفيها وقلتُ: بعد كلِ غروب وشروق حاولي أن تشرقي دائما ولا تيأسي فهو يراكِ ويحميكِ ثقي بذلك فحسب.
احتضنتني بشكلٍ مفاجئ ثم أثنت علي وتزاحمت كلمات الشكر والامتنان. قلتُ لها مبتسمة أمكِ بإنتظاركِ أسرعي وإلا وبختكِ بحنانها ولا تنسيّ من هو بإنتظاركِ فأسرعي باللحاق..
اضافةتعليق
التعليقات