ساهم طوفان الأقصى بفضح الغرب فضحاً سافراً، وأسقط الكثير من الأقنعة، وهدم قناعات كانت قد أصبحت راسخة حول رقي الدول المتحضرة وتخلف دول العالم الذي يسمونه عالماً "ثالثاً".
وقد خلق العدوان الوحشي للكيان على القطاع المحاصر بمباركة ومساندة أمريكا والحلفاء غضباً عارماً اجتاح الشعوب، وأيقظ الضمائر الحية التي كانت قابعة في نوم عميق، وأصبح صوتاً صادحاً يحطم العالم البراق الوهمي الذي تباهى بآيات التقدم، وتوشح بالخطابات الإنسانية.
وأدركت الشعوب العربية والإسلامية أخيراً أهمية التمسك بالإرث الثقافي والديني، وإعادة اكتشافه بعين الإعجاب والإكبار، وفهمه فهماً مختلفاً عما ساد، لأنه السلاح الأقوى الذي أريد لهذه الشعوب نسيانه لإحلال قيم أخرى يسهل من خلالها السيطرة والتلاعب بأي شعب من الشعوب.
غير أن هناك قطرات زيت بدأت تتساقط قرب شرر النار، فهذا الغضب الواعي الذي تحول إلى جهود منظمة قد يساهم بقتل الفكرة النورانية التي تمخض عنها، فيجب أن لا ننسى أنه غضب للحق، غضب من أجل إعلاء كلمة الله، كلمة العدل، لا غضب متعصب، هو غضب يبني، وليس غضباً يهدم، يكشف ويعري الحقائق ولا يدلسها، وهو ينتصر للمظلوم لا يشيع الفوضى.
لكي يكون غضبك في محله، وثورتك بناءة، افهم خصائص الشعوب الأخرى، استعن بمزاياهم وتعلمها، وخاطبهم خطاباً أخوياً مُحباً، فرسالتك الحقة يجب أن تخاطب زوايا النظر جميعاً، وأن يكون ذلك الخطاب بالتي هي أحسن، وتذكر إن رسالة الإسلام ليست محدودة بمن ينطق العربية ويسكن على أرض العرب.
اعرف تاريخك، افهم دينك، ثم اذهب لتعلم علومهم واتقنها اتقاناً تستطيع به بناء بلدك وترميمه، وتحريك ميادين العلم لصالحك، ومن خلال أدواته تذيع ثقافتك وأفكارك، ويصبح صوتك مسموعاً بل ومؤثراً.
بلادهم هي أرض الله، وهم خلق الله، ارفض الأفكار، لا الأرض، ولا الخلق، ولا تنزل نقمتك على المهاجرين العرب والمسلمين، كل مهاجر هو حامل لرسالتك نفسها، وصورة حية عن إرثك، هو عامل في أحد مفاصل الدولة، وقادر على التأثير في قرارات تلك البلدان.
َشئنا أم أبينا نحن بحاجة إلى التعاون والاستفادة من الخبرات المتراكمة في الميادين العلمية والتقنية للغرب لأنها أدوات تطوع لغايات، لكن ما اختلف اليوم هو إننا أصبحنا أكثر وعياً فلا نقبل علماً دون فحص وتمحيص، ونقبل العلم لا القيم المندسة بين صفحاته، ونتعلم منهم دون نظرة دونية لأنفسنا أو تعظيم لهم، ولا نتناسى البديل، البديل الذي نحصل عليه من دول أخرى، أو البديل الذي ننتجه نحن الآن أو سننتجه قريباً.
التوازن، الرؤية الحكيمة ذات المدى البعيد الواسعة الأفق، والاجتهاد، والاعتزاز بالإرث وجعله لبنة بناء الشخصية وقواعد النهضة هي نقاط أساسية في صناعة التغيير، بعيداً عن التطرف في تشرب ثقافة الآخر والانبهار به، أو رفض أدوات العلم والتقنية رفضاً تاماً، فلكل عصر مقوماته التي يجب أن نستخدمها لا تسخدمنا.
٨:٢٠ ص
٧-١٢-٢٠٢٣
اضافةتعليق
التعليقات