أحمد شاب طيب القلب وحنون، ولد في الأرياف وتربى على الأخلاق والطباع الحميدة ولم تكن حياته سهلة او ميسرة.. فقد عانى مع خمسة أخوة له، وبما أن أحمد هو الأخ الأكبر فقد كان يذهب مع والده في سوق القرية يساعده في بيع الخضار بعد أن يعود من مدرسته.
اجتهد احمد وعانى كثيرا لينجح بدراسته ويخفف العبئ والحمل عن والده، وفي نهاية المطاف لم يستطع اكمال دراسته فقد كانت المسؤوليات كبيرة على عاتق والده الذي بلغ من العمر عتيا، وقرر احمد أن يشتري بعض الأقمشة من احد التجار في القرى المجاورة ويبيعها في قريته ليجرب حظه في التجارة..
فذهب لأحد التجار المعروفين واخذ منه بضاعة على أن يعطيه ثمنها بعد البيع، وأعطاه صندوق ثمين ورثه من جده ليكون ضمان للتجار على بضاعته في حال لم يستطع ارجاع ثمن البضاعة..
ورغم أن مبادرة أحمد في أخذ البضاعة ورهن الصندوق كانت مغامرة ومجازفة الا انه لم يكن لديه خيار آخر فقسوة الحياة والفقر علماه أن (من تهيب صعود الجبال بقي طول الدهر في الحفر)، فعرض بضاعته متوكلا على الله راجيا منه أن يفتح ابواب الرزق له ليحمل ثقل المسؤولية عن والده.. وحيث كانت النية مخلصة وصادقة في ذلك بدأ أحمد بعرض بضاعته التي لم ينتهِ اليوم الا ببيع اغلب البضاعة مع توصيته لجلب بعض الاقمشة ذات الألوان المبهجة..
فرح أحمد وشكر الله كثيرا وذهب في اليوم الثاني ليعطي التاجر ثمن البضاعة السابقة واخذ بضاعة جديدة وهكذا اخذت تجارة احمد في النمو والازدياد، الى أن أسس رأس مال لتجارته من الأرباح التي جناها واسترجع صندوق جده وتحسنت احواله..
وذات مرة وهو في طريقه لأخذ بضاعة من احد التجار التقى بصديق له قديم انتقل لاحد الأرياف البعيدة، فرح أحمد بصديق الطفولة منير وجلسا يتجاذبان اطراف الحديث فقد كان احمد يحب صديقه منير كثيرا، الا أن ظروف الحياة فرقتهما ..
وعلم أحمد من صديقه بوضعه الصعب لاسيما ان ابنته كانت تعاني من مرض وهي بحاجة لعملية جراحية وهو لايملك المال الكافي لعلاجها، فعرض عليه أحمد اعطائه بعض المال لأجراء العملية وادخاله معه بالتجارة شريكا لتحسين أوضاعه المالية..
فرح منير بعرض أحمد شاكرا لطفه واحسانه واخذ المال وسارع باجراء العملية لابنته.. واستدان مبلغ من المال ليكون بداية للتجارة مع أحمد، حرص أحمد على أن يتاجر لصديقه بالمبلغ بكل اخلاص وامانة ويجني له الأرباح وكان كلما باع البضاعة اشترى اخرى بالأرباح الى أن ارجع له رأس المال ليرجعه لصاحبه، وأسس رأس مال صغير لصديقه مقتسما بذلك ارباحه مع صديقه لانه حقيقة لم يكن بحاجة لشريك معه في التجارة انما اراد الوقوف بجانب صديقه..
تحسنت احوال منير واخذت الاموال تجري بيده.. وفي كل مرة كان أحمد يعطي منير ارباحه من التجاره ويشرح له كيف جنى الأرباح وكيف تم بيع بضاعته وكان منير يشكره كثيرا ويقول له: المال كله مالك لاحساب بيننا.. بينما يبتسم احمد ويجيب: انه حقك يا اخي.. وبقي الحال هكذا امدا من الزمن.. الى أن اشترى أحمد بضاعة كثيرة ذات يوم وجعلها بالمخازن لديه ..
لكن للأسف في نفس تلك الفترة نزلت بضاعة جديدة بالسوق افضل واجود من بضاعة احمد مما سبب كساد في بضاعة أحمد وخسر احمد جميع امواله في البضاعة، ويتطلب الامر منه فترة طويلة ليصرف تلك البضاعة.. حينها فكر احمد بفض الشراكة بينه وبين صديقه واعطاء صديقه حصته من البضاعة لكي يتصرف كلا منهما ببضاعته..
وحين اخبر احمد صديقه بالأمر تأسف لما حصل وثار في وجه أحمد ورفض أن يأخذ البضاعة لعجزه في تصريفها وطلب من أحمد ان يبيع البضاعة ويعطيه ثمنها كما تعود، حاول أحمد أن يشرح لصديقه صعوبة الوضع وان البضاعة انما هي ارباح في حقيقة الامر فيحاول ان يبيعها مع الوقت..
لكن منير تشاجر مع احمد ورفض اخذ البضاعه، فوجئ احمد بردة فعل صديقه واحزنه حديث منير لكن قرر ان يحافظ على المودة بينهما وان لايخسر صديقه.. فوافق على بقاء بضاعة صديقه وبيعها واعطاء المال لصديقه..
رجع احمد لمنزله وهو ساهب بالتفكير فما حصل كان صدمة ولكن ليست كصدمته بموقف صديقه.. لم يتوقع منه ان يضيق عليه ويجبره على بيع البضاعة واخذ المال.. لم يتوقع أن يكون المال لدى صديقة أهم من علاقتهما وصداقتهما..
فكر منير بالبضاعة والمال.. ونسي من هو اهم من المال؛ انه صديقه، العقل المدبر للتجارة الذي مازال موجودا وبامكانه ان يفكر ويبدع ويجد حلولا لكل مشكلة..
وكان احمد يفكر قبل ان يفاجأ بردة فعل صديقه بمشروع آخر له ولصديقه ليتفادى خسارتهما، لكن بعد موقف صديقه الصادم قرر أن يرجع له ماله ولا يدخله شريك معه في تجارته لانه لم يقدر صداقته..
وفعلا اخذ أحمد ببيع البضاعة لبلد لم تصلها بعد البضاعة الجديدة وحاول تصريف بقية البضاعة بانزال سعرها، وارجع المال لصديقه، وبدأ أحمد مشروعه الجديد واخذ ينجح المشروع ويعوض خسارته.. بينما اخذ منير ماله وجعل يصرف منه حتى استنفده كله..
وادرك بعد ذلك سوء تصرفه مع صديقه، وعلم أن الخسارة الحقيقية ليست خسارة المال إنما خسارة صديقه الوفي الأمين..
اضافةتعليق
التعليقات