كانت إلونا تايميلا تحيي طلابها كل يوم في الساعة 9 صباحاً عبر تطبيق واتس أب وتشرح لهم الدروس والواجبات التي يجب عليهم القيام بها. كان ذلك روتينها اليومي لمدة عام تقريباً، بدءاً من مايو/أيار 2020، مثل غيرها من المدرسين والمدرسات في فنلندا.
الفارق الوحيد بينها وبين أقرانها أن طلابها كانوا من أبناء مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية، المجتجزين في مخيم الهول في شمال شرق سوريا، على بعد آلاف الكيلو مترات من مكتبها في فنلندا.
في الرسائل النصية المرسلة عبر واتس أب، كانت المواد التي تدرسها لهم تتراوح بين الرياضيات والجغرافيا باللغتين الفنلندية والإنجليزية.
كان عدد تلاميذها 23 طفلاً. يعيش هناك حوالي 60 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال الذين سافروا إلى سوريا من عشرات البلدان، بما في ذلك أوروبا أو ابصروا النور هناك.
قبل ذلك كان بإمكان هؤلاء الأطفال الحصول على التعليم غير الرسمي في المدارس المؤقتة التي تديرها الجمعيات الخيرية في المخيم.
بعد هزيمة تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية في سوريا في أوائل عام 2019 ، أصبح المخيم بمثابة السجن لهم، وتدار تلك المخيمات من قبل القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة.
يحتجز الأطفال في المخيمات مع أهاليهم من جميع الجنسيات منذ سنوات، ولا تزال بلدانهم الأصلية تدرس المخاطر التي قد تسببها أمهات الأطفال اللواتي لا يزلن متأثرات بشدة بالفكر الإسلامي المتشدد في حال سُمح لهن بالعودة إلى بلدانهن.
في غضون ذلك، نشأ الأطفال في ظروف مزرية، أدانتها جماعات حقوق الإنسان باعتبارها غير إنسانية.
في أواخر عام 2019 ، طرحت حكومة ائتلاف يسار الوسط الفنلندية فكرة إعادة الأطفال الفنلنديين الذين كان يبلغ عددهم 30 طفلاً في المخيم إلى فنلندا.
أثارت الخطة مسألة حساسة سياسياً وكشفت المأزق القانوني المتمثل في فصل الأطفال عن أمهاتهم. ولحل هذه المعضلة، عينت الحكومة المبعوث الخاص، جوسي تانر، الذي قاد المفاوضات مع السلطات التي يقودها الأكراد والتي تدير المخيم.
تبين لتانر أن العملية صعبة وشاقة جداً. مع مرور الأسابيع والأشهر، بدأ تانر في التفكير في اتخاذ تدابير مؤقتة لحماية حقوق هؤلاء الأطفال بموجب القانون الفنلندي.
وعندما أجبرت جائحة كورونا المدارس على الإغلاق في مارس/آذار 2020 ، خطرت في ذهنه فكرة: "إذا كان من الممكن تعليم الطلاب عن بعد في فنلندا، فهل يمكن فعل الشيء ذاته بالنسبة للأطفال الفنلنديين الموجودين في مخيم الهول؟".
دعمت الحكومة الفنلندية الفكرة وكلفت مؤسسة تعليم مهارات الحياة بتطوير برنامج تعليم عن بعد لهؤلاء الطلاب.
وكانت المعلمة تايميلا التي تتمتع بخبرة في التدريس متعدد الثقافات، هي المرشحة المثالية التي اختارتها المؤسسة.
تواصل معها توجيا تاميلاندر، رئيس مدرسة مؤسسة التعليم عن بعد.
وفي غضون أسابيع صممت تايميلا ومعها معلم آخر، منهاجاً خاصاً لأولئك الأطفال.
من خلال إرسال دروس ووظائف يومية للأطفال، كانت تهدف إلى تحسين كفاءاتهم في المواد الأساسية وإعدادهم للحياة مرة أخرى في فنلندا.
وعلى غير العادة، تعين عليها التواصل مع تلاميذها عبر تطبيق واتس أب كوسيلة وحيدة.
وقالت تايميلا: "لم نفعل شيئاً كهذا من قبل" مشيرة إلى أن البرنامج ربما كان الأول من نوعه.
كان بإمكان التلاميذ المشاركة فقط بموافقة أمهاتهم، اللواتي اتصل بهن تانر.
وبعد موافقة أمهات 23 من الاطفال، تم إرسال الرسائل الأولى في مايو/أيار من العام الماضي.
وكانت الرسالة الأولى: "صباح الخير! إنه يوم الخميس، السابع من شهر مايو/أيار 2020. أول يوم في التعليم عن بعد!".
استعملت تايميلا صورة لها وهي تضع نظارة شمسية ووشاح يغطي شعرها في بروفايلها على التطبيق وقدمت نفسها على أنها سارا، وهو اسم مستعار لحماية هويتها.
كانت تكتب معظم رسائلها باللغة الفنلندية واحياناً استخدمت الرموز التعبيرية بدلاً من الصور التي تحتاج الى وقت اطول لتحميلها.
شكلت مادتا اللغة الفنلندية والرياضيات حجر الأساس للمنهاج وتم تصميم الواجبات حسب سن الطفل وقدرته الاستيعابية.
وقالت تايميلا، إنها شهدت تطوراً مع مرور الوقت.
وفي النهاية، كان بإمكان طفل يبلغ من العمر ست سنوات قراءة قصص كاملة باللغة الفنلندية، كما استطاع الطلاب الأكبر سناً فهم تراكيب أكثر تعقيداً في اللغة.
كان تقدم الأطفال نتاج التفاعل مع مئات الرسائل النصية والصوتية. ولأن الأمهات مُنِعن من امتلاك هواتف محمولة، كان لابد من إبقاء هذه الرسائل سرية بعيداً عن أعين السلطات الكردية والشعب الفنلندي.
ومع ذلك، تشك تايميلا في أن الرسائل ربما كان يطلع عليها الحراس، لأنه في بعض الأحيان، لم ترد الأمهات على رسائلها لأسابيع، مما أثار مخاوف على سلامتهن.
وبحلول ربيع هذا العام، فقدت تايميلا، الاتصال بمعظم العائلات، مع إعادة المزيد منهم إلى أوطانهم أو نقلهم إلى مخيم روج في المنطقة، حيث المراقبة هناك أكثر صرامة، فتم تأجيل الدروس.
وقال تانر، إنه جرت إعادة 23 طفلاً وسبعة بالغين إلى الوطن، بينما لا يزال هناك 15 فنلندياً في المخيمات.
بالعودة إلى فنلندا، أثبتت عمليات الإعادة إلى الوطن أنها مثيرة للجدل سياسياً. كان حزب الفنلنديين القومي من أشد منتقدي سياسة إعادتهم للبلاد الذي قد يهدد الأمن القومي.
عندما سُئلت عن برنامج التدريس، قالت زعيمة الحزب المعارض، ريكا بيرا، إنها تتمنى أن تكون الحكومة "مهتمة بنفس القدر بالحفاظ على أمن الفنلنديين".
وقالت لبي بي سي إن أطفال مقاتلي داعش "أبرياء بالطبع". لكنها ذُهلت من "الجهود غير العادية التي بذلتها الدولة الفنلندية لتلبية احتياجات عائلات مقاتلي التنظيم المتشدد".
وقال تانر، إن معارضة إعادتهم إلى الوطن "خفت كثيراً" وكان رد الفعل تجاه برنامج التدريس إيجابياً بشكل عام.
وعلى أية حال، المعلمة تايميلا في عطلة في الوقت الحالي. وحتى لو جرت إعادتهم جميعاً إلى أوطانهم، فسيظل معظم الطلاب مجهولين لدى المعلمة السرية.
هي الآن على اتصال بواحدة فقط من الأمهات والتقت بها في مركز استقبال في فنلندا، جنباً إلى جنب مع بعض تلاميذها.
في هذه المرة، لم تكن هناك حاجة لتطبيق واتس أب.
وقالت: "لقد عرفوني من صوتي، في البداية كانوا خجولين جداً، لكنهم لاحقاً بدأوا بتحيتي وجلسوا في أحضاني وقرأنا سوية الرسائل النصية في الهاتف". حسب بي بي سي
اضافةتعليق
التعليقات