تتباين مظاهر العنف المنتشرة في المجتمع المغربي، ويعتبر العنف الأسري من أكثر أشكال هذا العنف انتشاراً، علاوة على أنَ النساء في أغلب الأحيان هنَ ضحايا ذلك العنف الأسري، أيَا كانت الأسباب اجتماعية أو اقتصادية أو نفسية، وحتى إذا لم يكن أنفسهن طرفاً فيها فهنَ دائماً اللاتي يدفعن الثمن الأكثر فداحة، والمقصود بالنساء ضحايا العنف الأسري، النساء اللواتي تعرضنَ لاعتداء جسمي أو جنسي أو تمَ استغلالهن من أحد الأشخاص الذين تربطهن به علاقة حميمة.
ويعد العنف الأسري عنفاً ذو طبيعة خاصة، وذلك لامتداد أثره على المحيطين بالمرأة، سواء كانوا أبناء أم أقرباء، مما يعكس آثار سلبية على حركة تقدم المجتمع، من خلال الخلل في قيام المرأة بأدوارها، بخاصة دورها في تنشئة الأجيال نظراً للاضطرابات النفسية التي تفرزها التنشئة الخاطئة للأم المقهورة والمعنَفة المحبطة، فهي تلجأ إلى أبنائها للتنفيس عن حالتها النفسية مما قد يدفعهم إلى خيارات فاسدة، لا نتوقع معها تقدم أو تطوير يقوم به أجيال المستقبل، بالإضافة إلى الأثر السلبي للعنف على المدى القصير على تعليم وصحة ومشاركة المرأة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، مما يؤثر مباشرة على تقدم المجتمع، وبالتالي فإنَ التمييز ضد المرأة سواء في الأسرة أو المجتمع يحرمها من المساواة في جميع مجالات الحياة ويعتبر مظهراً لعلاقات غير متكافئة بين الرجل والمرأة، ويعتبر العنف ضد المرأة انتهاكا لحقوقها كإنسان.
وتتعدد صور العنف ضدَ المرأة، ويظهر في أشكال ومستويات عدة، من العنف البدني والجنسي إلى العنف النفسي والاقتصادي، وغير ذلك من صوره المرعبة.
والحقيقة أن العنف العائلي هو صورة متأخرة ونتيجة متوقعة ـ في أحيان كثيرة ـ للخلاف الأسري إذا أهمل ولم يبادر إلى تقليص رقعته ومحاصرته. فهذا الخلاف حينما يستشري ولا يبادر أي من الطرفين إلى علاجه، ثم لا يجدان متنفساً في التفاهم والحوار وامتصاص حالة الغضب والهياج... هنا قد يلجأ أحد الطرفين ـ وغالباً يكون الزوج في مجتمعنا ـ إلى العنف.
ويجب أن ننوه أنَ مظاهر العنف تتداخل وتتشابك مع بعضها في العديد من الجوانب، فما يكون عنفاً بدنياً يخلق بالضرورة عنفاً نفسياً واجتماعياً، بل وسياسياً، وبالتالي فإنَ رصد هذه المظاهر يقبل دائماً التعديل، كما أنَ الفصل بين مظاهر العنف مقبولا في حدود الطرح النظري فقط، نظراً لتشابك العوامل التي تؤثر على الانسان وتأثيرها وتأثرها المتبادل.
فالشريحة المستهدفة أكثر والتي تعاني هي الطبقة المتوسطة والفقيرة حيث يختلف أشكال الاعتداءات الممارس في حقها وفي طليعتها الاعتداء الجسدي، أمَا الطبقة الغنية فالعنف النفسي يبقى السمَة البارزة.
إنَ أسباب العنف ضدَ النساء المغربيات، يرجع إلى الموروث الثقافي السائد في المجتمع المتمثل في نسق القيم والعادات والتقاليد والأعراف السائدة، والتي تؤكد المكانة الاجتماعية المتدنية للمرأة مقارنة بمكانة الرجل، ويتجسد ذلك في الأمثال الشعبية وما أكثرها في مجتمعنا المغربي، فيقال (ضرب الحبيب زبيب، واقطع رأس القط من ليلة العرس، والعصا من الجنة)، وهناك من الأمثال التي تهمش دور عقل المرأة وكأنها شيء جامد بلا شعور وإحساس مثل (المرأة الصالحة خرسا طرشا... وقال إبليس: أنا أعلم الرجال وأتعلم من النساء، واسأل المرأة واعمل العكس... يندم دائما من يطيع المرأة... اسمع للمرأة ولا تطاوعها... أكسر للبنت ضلع يطلع ليها 24 ضلع، يا الوالدة البنات يا الحاملة الهموم حتى الممات)... وغيرها الكثير من الأمثال الشعبية التي تحط من قيمة المرأة...
وعن الأسباب والدوافع الاجتماعية وراء انتشار ظاهرة العنف بين الأزواج، لا بد أن نؤكد أن غياب التناسب والتوافق النفسي والاجتماعي والاقتصادي بين الزوجين هو الدافع الأساسي لتولّد العنف بينهما، فقد يكون الزواج بين رجل وامرأة يختلفان في البيئة التي نشأ بها، وظروف النشأة الأولى ومراحل الحياة والتعليم والثقافة والقيم والطباع وأسلوب الحياة، هذا الاختلاف يخلق تنافراً بين الشخصيتين، والتنافر يخلق بدوره العنف، ولعل ذلك يعود إلى النزعة المادية التي أصبحت تسيطر على الأفراد داخل المجتمع المغربي.
فالرجل والمرأة في الوقت الحالي ينظران للزواج على أنه صفقة، أي أن كلا منهما يقدم على هذه التجربة بدافع المصلحة، لذا تأتي النتائج غير محدودة في أغلب الأحيان، والعنف بين الأزواج يتدرج من مجرد السب والشتم إلى التعذيب النفسي والبدني، إلى الفشل الذي يصل إليه أحد منهما في حالة غياب كامل للقيم والدين والأخلاق، وقد افترض علماء الاجتماع أن العنف بين الأزواج يقل كلما ارتفعت ثقافتهم، إلا أن الواقع أثبت من خلال الدراسات الميدانية أن هناك حالات متعددة من المثقفين يلجأون إلى العنف الذي قد يصل إلى القتل، كذلك هناك رجال أعمال وأفراد من أرقى الطبقات يلجأون أيضا إلى أقسى صور العنف.
تنبع خطورة العنف، من الآثار السلبية التي قد لا ينجو منها أي عضو في الأسرة بحيث يصبح جميع أفراد الأسرة ضحايا لهذا العنف بصور ودرجات متباينة ممَا يعيق الأسرة ككيان اجتماعي على القيام بواجباتها.
ويلعب الموروث الثقافي الذي تعكسه رؤى النخبة والجمهور دوراً بارزاً في استمرار الترويج لممارسات العنف ضدَ المرأة، وعلاوة على أنَ المرأة تستحق أن يقع عليها العنف بكل أشكاله، وأنَ معاقبة الزوج لزوجته لا تعدُ عنفاً.
وقد أشارت إحدى الدراسات التي تناولت العنف ضدَ المرأة أنَ هناك ارتفاعاً ملحوظاً في نسبة الموافقين على ذلك حتى بين النساء أنفسهن، وهو ما يرجع إلى البعد الديني الحاكم، كما اتجهت أصابع الاتهام في جرائم الاغتصاب إلى الضحية بسبب سلوكها غير الملائم، أو ملابسها غير المناسبة، دون النظر إلى المتغيرات الأخرى من بطالة ومخدرات... وبهذا نجد أنَ السياق الثقافي يحمل عوامل محرضة على العنف ضدَ المرأة ومبررة له أيضاً، نتيجة فهم خاطئ للدين يختلط بالموروثات والتقاليد التي تكرس التمييز ضدَ المرأة.
ومن ناحية أخرى أجمعت الدراسات على أنَ انخفاض المستوى المعيشي والاقتصادي لكل من الجاني والضحية والنشأة في بيئة تمارس العنف وضعف احتمال المسائل القانونية للجاني كلها عوامل مدعمة للعنف، فالمرأة الأميَة وغير العاملة أكثر احتمالا للتعرض للعنف نظراً لفقدانها القدرة على حماية نفسها وإدارة شؤونها واحترامها لذاتها.
وأخيراً وليس آخر، أتمنّى من المرأة المغربية الفاضلة، ألا تصمت بعد اليوم عن حقوقها السّليبة، فهي ليست المخلوق الأدنى، ناقص العقل و الحقوق، بل هي المخلوق الأجمل و الأغلى و الأسمى، و المجتمع الذي يعامل الأنثى على أنها المخلوق الأرقى هو مجتمع اكتسب النمط الفكريّ الأرقى بلا أدنى شك. فالمستقبل دائماً أجمل و لا بدّ من إطلاق النداء عالياً في كلّ وقت وحين لتسليط الضّوء على كلّ ما يعيق حصول المرأة المغربية على حقوقها في كافة مناحي الحياة كاملة، ورفع شعار لا ظلم ولا غبن بعد اليوم، و كلّ يوم بعد اليوم هو يوم المرأة المغربية العظيمة
اضافةتعليق
التعليقات