خطت خطوتين على عتبة سلم المنزل وطرقت الباب بهداوة بينما صوت الطفل يرعد من ماذا لااعلم.. ولكن ربما للبرد الذي احتل كيان الكون بذاك النشيج الذي جعل الرضيع يرفرف كالذبيح.
صدع رأسي من شدة البكاء استندت الى الباب وابتدأت هي الحديث (من مال الله) وانا بادرتني ذات الفكرة انها متسولة لماذا لاتعمل عمل يقيها من ان تريق ماء وجهها، اجبتها بشيء من القسوة (وماذنب هذا الرضيع الذي سيختفي صوته لشدة البكاء الستِ أم!) رمقتني بنظرة غريبة قائلة (اعطني الحل بدل الكلام)، تشنجت عضلات لساني فعلا لااملك الحل وهي استدارت بعد ان جعلت كوابيسا تحتل رأسي فتزيده ألما، احتضنت وسادتي ومازال كابوسها يمتثل امامي رغم ذهابها (يال بؤس كلماتي العجاف اللاتي هجمت على شخصية اقتيدت رغما عنها الى بؤس هذا العالم وتغيراته، ومن قادها، الظروف، القيت كلماتي القاسيات عليها متناسية ان في وطني حتى اصحاب الشهادات لايملكون وظائف فكيف بها)..
وبعد التفكير فعلا لم اهتدي لحل لكنها وجدت حلها ان تتأقلم وتعايش سكان هذا الوطن بلا جدوى، فرفقا.. عانقوا عمق الحياة والحلم كونوا انتم ولستم هم.. فحتما نهايتنا كالليل الذي يسلم نفسه للنهار دون اكتراث بعاشقيه..
إن التسول هو شبح مخيف يهيمن على واقعنا حتى باتت مشاهدته مألوفة.. فنجده كالفايروس ينتقل بسرعة هائلة ولايخلو مكان منه سواء طرقات او مواقف سيارات وحتى المقابر اصبحت لاتفرق بين أنين من يبكي على مفقود تحت التراب او أنين ميت على قيد الحياة تحت هوية متسول.. بل انها امتدت لتكون امام المساجد فتجد اياد ترتجف بعضها حياءا فلاحيلة لهم واياد ترتجف مرضا فما عادت الحياة ترأف بحالهم وتظل هذه الايادي صورة مؤلمة يرسمها البعض والبعض يجدها مادة دسمة للاعلام وبعضهم يبحث عن تفاعل في مواقع (السوشيل ميديا) لكن ماهو الحل الذي قدموه.. لاحل يذكر..
ومن المحزن ان ظاهرة التسول لم ترتبط بفئة عمرية محددة بل اتسعت ليشترك ضمن هذه المسرحية المؤلمة حتى الاطفال فبدل الشكل الطبيعي لهم وهو المدرسة والبيت اللذين يمنحانهم اولى درجات الثقة بالنفس اصبحت اناشيدهم كلمات تخلوا من قافية الحياة (من مال الله) تلك الكلمات التي كان يجب ان تكون اناشيد مدرسية بدلا منها..
ومشكلة التسول لم تتوقف عند مكان او دولة معينة بل هي منتشرة حتى في الدول المتقدمة لذلك هي تحتاج لإنسانية قبل كل شيء فقد نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي في احدى البلدان المتطورة تجربة اجتماعية كانت تنص على ثلاث امور اساسية ومنهن الاختيار (مال.. مخدرات.. او طعام) وكانت ضمن هذه التجربة فتاة في مقتبل العمر متشردة قدموا نحوها ووضعوا الاشياء وطلبوا منها ان تختار لكن ما فاجئهم انها تركت الطعام الذي سيعيد لها الطاقة او حتى المال الذي سيجعلها تملك الاثنين واختارت تدخين بعض المخدرات قائلة: (انا اعرف ان هذا جنون لكن فعلا انتم لاتعرفون كم هو الوضع بائس وحزين، لنا هنا في الخارج وهذه الاشياء التي نمر بها كل يوم، الناس هنا بلاروح فقط هم دمى تسير دون اكتراث لأحد ولايجذب نظرهم سوى من هم يطابقونهم شكلا ومالا لاروحا والآن لايوجد شيء يجعلنا نتحسن سوى بعض المخدرات التي وان كانت لساعات فقط لكنها تفي بأن ننسى انفسنا لأنه ان تكون متشردا يعني انك منبوذ).
واثناء الحديث مع تلك الفتاة تقدمت امرأة وسألتهم عن ماذا يحدث هنا وقد بادرت بتقديم (جيتار) لتلك الفتاة لأنها تستطيع العزف وجعلتها بداية جديدة لها لتتقدم خطوة وتساعدها ان تكون انسانة طبيعية.
لذلك الخلاصة من كل هذا، ان هذه الطبقة بحاجة الى حلول بدل الكلام لأن الحلول وان كانت بسيطة فهي بالنسبة لهم انطلاقة لحياة جديدة تجعلهم افضل حالا مما هم عليه، ويقول عز وجل في محكم كتابه: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ* لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) سوة فاطر..
ولكن هذه الانسانية ومساعدة الفقير لاتعني ان يبقى هكذا بل عليه السعي والحصول على العمل والرزق الذي يحقق للإنسان طلبه.. فيستغني عن الاخرين ولايضطر الى التسول..
وحث الاسلام على التراحم والتكافل والتعاون ومساعدة الفقراء فقد ذكر عن الامام علي عليه السلام في وصيته (الله الله في الفقراء والمساكين، فشاركوهم في معايشكم).
وقال الامام الباقر (عليه السلام); ((ماشيعتنا الا من اتقى الله واطاعه، ومن كانوا يعرفون إلا بالتواضع.. وتعهد الجيران، من الفقراء وذوي المسكنة، والغارمين والايتام)) كذلك حث الاسلام على اعطاء ذوي الحاجة قبل ان يبدأوا في المسألة، واعتبرها حق المسلم على المسلم..
اضافةتعليق
التعليقات