يحل على العراقيين عيد الأضحى المبارك هذا العام كما في كل عام، كأشباهه من أعياد العراقيين السالفة، وما زال البلد تتلاطم فيه أمواج الأزمات والاضطرابات، كما كانت الحروب تخيم بظلالها القاتمة عقدي الثمانينات والتسعينات، عقود تتعاقب وعيون العراقيين تتمنى أن تبصر فجر عيد حقيقي، يستنشقون فيه عبير الأمن بدل دخان البارود، ويرون اخضرار الاطمئنان، بدل احمرار دماء الحروب، ويسمعون فيه أصوات التحابب والتوائم، بدل ضجيج الغل، والحقد، والكراهية، ويعيشون تحت ظل دولة موحدة.
يبدو إن إدراك هذا الفجر، ما زال دربه يريد دما، وعرقا، وتضحيات، وحتى العيد وتباشيره يجرنا إلى المآسي وآلامها، فقد اقبل عيد الأضحى المبارك هذا العام تزامنا مع انطلاقات تحرير تلعفر فتلون هلاله بدماء الشهداء وهم يسجلون انتصاراتهم بأجمل لوحة سيخلدها التأريخ.
(بشرى حياة) أجرت هذا الاستطلاع لتنقل هذه الفرحة التي دفع ثمنها بالأرواح..
نصر من الله وفتح قريب
ما من وصف يطرق ذهني لأصف به سيل الدماء الذي شهدته عيناي، بهذه الجملة استهل المقاتل حميد البدري حديثه وهو احد المقاتلين في الشرطة الاتحادية حيث شهد معارك التحرير بأكملها وقدم ابنه قربانا للوطن ومقدساته، وما زال يواصل الطريق من بعده، حاملا روحه بين كفيه، ينتظر أن يلتحق بولده في جنائن الفردوس.
تحدث البدري قائلا: "لقد ابتدأت رحلة تحرير تلعفر منذ انطلاق العمليات خلال نصف يوم مع القوات، أولها كانت قرية بطيشة حيث كنت مع فرقة المشاة 16 وقرية خفاجة وقرية حلبية العليا وقرية مرازيف، وقرية حلاوة حيث شاركت مع فرقة المشاة 15، ثم قرية قزل قيو مع جهاز مكافحة الإرهاب، وقرية كسر محراب، وقرية تل السمباك مع فرقة العباس والفرقة التاسعة، ثم انتقلنا إلى الجزء الجنوبي لسلسة جبال زمبر وقمنا بتحريره مع فرقة العباس والفرقة التاسعة، وبعدها تقاطع طريق تلعفر المحلبية، وقرية العبرة الكبيرة، وهنا كنا نحن الشرطة الاتحادية مع الحشد نقاتل جنبا الى جنب، وقرية العبرة الصغيرة، حتى وصلنا الى قطعات اللواء الثالث فق16 إلى مشارف قرية العاشق وجسر الكيسك في المحور الشرقي للقضاء".
وتابع قائلا: "ما زلنا نمضي قدما لأجل تطهير الارض من سرطان داعش الارهابي، سائلين المولى عز وجل ان يوفقنا، ونسأل من ذوينا الدعاء، ويلهم ذوي الشهداء الصبر والسلوان".
ختم البدري حديثه: "أمنيتي أن يقبل عيد الأضحى المبارك في العام القادم، والعراق يكون قد تحرر تماما، وعادت كل الأهالي النازحة لمدنهم، وان اكون في مثل هذه الأيام بجوار قبر النبي (ص) اجري مناسك الحج وأحج حجة لابني واهديها إلى روحه الطاهرة".
عودة وطن
لن يعود غائبي لكن الوطن قد عاد لنا، أول عبارة قالتها أم الشهيد مهند التي انهمرت دموعها وهي تطلق العنان لكلماتها التي تسردها بحرقة، وما قصدته بغائبها هو ولدها الشهيد حيث قالت: كم أُم وكم زوجة وكم اخ وعم وخال فقدنا في هذه الحرب التي انتصرنا بها بدماء ابنائنا، وبرغم كل هذا فرحنا لنصرنا ولعودة العوائل النازحة لديارهم وبيوتهم .
فيما تعبر الإعلامية وداد هاشم عن فرحتها قائلة: "ضغطوا على زناد بنادقهم، وأوقدوا شعلة النصر، وأصروا أن يزفوا لنا البشارة وينتزعوها من مخالب خفافيش الظلام بقدرتهم، وصبرهم، وعزيمتهم، التي لا تلين، فامتزجت فرحة الانتصار بعيد الأضحى، وراحوا ينشدون أنشودة النصر والفرح، ويرسمون لوحة خالدة في عشق الوطن، وحملوا لواء النصر، هكذا هم الأبطال يجعلون لون النصر بلون العيد".
وتنقل ام تقى فرحتها قائلة: "كم نظرت طويلا لهؤلاء الشباب والشيبة المجاهدين، وهم يحملون أرواحهم على اكفهم، لم يرعبهم الموت المحتم، وهم يتوغلون لأجل أن ينالوا النصر الذي كنا نترقبه منذ سنوات لتحقن دماء الأبرياء، كنت انظر بفخر لهم وهم يحملون رجولتهم على البندقية، ليردوا كيد الأعادي الذين ذبحوا وهجروا وانتهكوا حرمة الدين، اليوم قد خط النصر المبجل بسواعدهم، واعتلتنا الفرحة رغم امتزاجها بدموع الثكلى ودماء الشهداء والأبرياء.
ومن جهتها قالت المهندسة سهير عباس: "أود أن أزف التهاني بعودة كل المدن التي طالتها أيدي الإرهاب بهذا النصر، وأبارك لهم عودتهم إلى بيوتهم سالمين، وأبارك ايضا للذين اشتروا الشهادة بدماء شبابهم، وسنذكر دوما لقد كان لنا نحن العراقيين عرسا من نوع اخر حيث زفوا به عرسان إلى الفردوس".
فيما قالت حنين كريم خريجة تقنيات طبية: "لقد هدمت الكثير من مدني الحبيبة، وانتُهكت حرمتها، وهُدمت معها أبنيةٌ، ونفوسٌ، واعلامٌ اثرية، لكن حضارة وادي الرافدين وكينونتها لا، فهيهات لها أن تُمس وهي بداخلكم وبداخل كُل فرد يشترك معكم بتراب هذه الأرض، انها عامرة وشامخة بداخلنا إلى الأبد، لذلك قد لممنا شتات أمرنا وسرنا إلى الجهاد لنعيد حضاراتنا، ونجمع أنقاض أنفسنا وواقعنا، ونتخذ منها مرتفعا نسمو منهُ نحو واقعٌ أجمل، وعراق أبهى، كعروس عربية يغسل حزنها القمر.
توقعات ما بعد النصر
ويشير عبد الامير حسين بقوله: "نحن شعب العراق كلنا نحب الأمن والاستقرار، والمرحلة بعد النصر هي يجب على الحكومة أن تصب جم عملها على تشريع القوانين التي تهم المواطن، ومشاريع الأعمار والبناء، وتقوية الأجهزة الأمنية والجيش، وفتح الآفاق على محيطنا العربي وتمتين العلاقات مع دول الجوار والإقليمية".
فيما يقول المقاتل كريم عواد: "لقد قضيت سنوات وأنا على ساتر المعركة أجاهد مع كل الفصائل لأجل أن أرى هذا اليوم المرتقب، لقد قدمت ابني شهيدا وأولاد عمومتي والكثير من الأقرباء والأصدقاء لنشهد هذا اليوم، لقد كانت مراحل التحرير صعبة وقاسية لا يسعني ذكرها، إلا إننا بذلنا كل ما بوسعنا للوثوب على قمة النصر، هناك توقعات وتداعيات ما بعد هذا النصر الحافل بأن القادم سيكون أسوء".
واضاف قائلا: "إن ما يطلق من الشائعات حول تشكيل جماعات متشددة لتمارس التشديد والتعصب بإسم الدين، فهذه ادعاءات لا صحة لها، وان وجدت فهي لا تمت لقوات الجيش أو الحشد أو أي فصائل بصلة، لربما ينسبون أنفسهم لنا، وذلك لتشويه أهداف الرسالة التي انطلقت بها فتوى الجهاد، ولا أنكر ان هناك الكثير انتسب للحشد للغرض نفسه".
وتابع بقوله: نسأل الله تعالى أن يدرك العراقيون العيد الحقيقي الذي يمسك فيه العراق زمام الأمن والاستقرار وتعود اشراقات الحضارة، والتطور لهذا البلد الذي عانى الكثير".
في ما قال المحامي حسنين عبد الله: ان الفرحة تعم أجواء الشارع العراقي، بل والشارع العربي والعالمي على حد سواء، فهزيمة داعش في العراق اليوم لا تمثل نصر للعراقيين فقط، بل هي نصر للحق على الباطل، لفرسان النور ضد فرسان الظلام، إنه أمل وأمنيات لغد أفضل، إنه مستقبل مشرق سقي بدماء الخيريين من أبناء هذا الشعب ومن دموع أمهاتهم اللواتي لا نعلم كيف نستطيع أن نجازيهن لتضحياتهن الكبيرة.
وأضاف قائلا: بعد هذه الانتصارات، يجب على كل فرد عراقي أن يستشعر المسؤولية العميقة تجاه هذه الأرض، وتجاه أخوته الذين دافعوا بأرواحهم لأجل الأجيال القادمة، فعلى كل فرد عراقي الآن ان يحمل على عاتقه مسؤولية التأكد من صلاح أفكاره وأفعاله وتثقيف نفسه بالثقافة الصحيحة المبنية على تقبل الآخر وتفهمه، والتعاون معه لمصلحة الأمة، ومن ثم محاولته في رفع الوعي والثقافة في من حوله، ما بعد (داعش) ليست ثورة سياسية، ليست إصلاحات لا تغير سوى القشور، ما بعد (داعش) هو إصلاح يمتد إلى جذور وعي هذه الأمة، هي ثورة ثقافية شاملة تزيل كل تلك الرواسب التي تراكمت على جدران الوعي العراقي، وتصلح كل الثقوب التي نخرها الفكر المسموم، وتكسر كل الأوصاد التي تكبل أقدامنا من السعي قدماً نحو عراق أفضل، ليعود العراق عالياً شامخاً في سماء العلم والأدب والثقافة.
ومن جهته قال المحلل السياسي صالح الحمداني: أن الشارع السياسي في مرحلة ما بعد داعش لن يختلف عن ما كان قبلها لا في الطروحات ولا في الشخوص، وسيبقى كما كان دون مستوى طموح الشعب وما يحتاجه من خدمات وأمان وتقدم وازدهار، وأضاف الحمداني أن الحشد وكذلك القوات المسلحة النظامية، وكـشيء طبيعي باعتقادي سيطالب القادة فيهما بتمن سياسي للانتصارات والتضحيات، وهذا ما على الحكومة أن تستعد له أو تعالجه مبكرا.
اما المجتمع فمؤكد انه سيعاني من افرازات الحرب، وسيكون لدينا مجموعة كبيرة من الشباب ألفت السلاح وتغذت بالأفكار العسكرية، لذلك ستلجأ لحل اي مشكلة ستواجهها في المجتمع بالسلاح.
وتابع مشيرا ان الحكومة والمجتمع بعد داعش سيعاني من افرازات الحرب حتما، فلا انتصارات بلا ثمن، ولا حرب بلا تبعات.
اضافةتعليق
التعليقات