المستقبل جميلاً وكل شيء على مايرام من تطور، فعالمنا المقبل سيكون اكثر إشراقاً بفضل الآلات الحديثة المضيئة التي تتحمل عنا عبء الاعمال، ونحن نعيش عالم السرعة، عالم الثواني فبكبسة زر يمكنك رؤية وانجاز ماتشاء، فنتطلع بكل لهفة الى الآتي والى اي حد ستصل التكنلوجيا من اختراعات.
وبينما كل شيء يمضي قدماً، هناك ما يعود الى الوراء ويضمحل ويعتم بينما العالم يزداد توهجاً ويسكن خلاف العالم الصاخب، الركيزة الاساسية لهذا الكون والرابط الذي يشد قواها يكاد ينقطع وينهار، كل ذاك البناء العظيم لعالم زائف، عالم يهجر العلاقات الاجتماعية وينبذ صلة الرحم ويجعلها وحيدة ويطلق عليها "موضة قديمة".
قال رسول الله (ص): "ان الملائكة لاتنزل على قوم فيهم قاطع الرحم".
كثيرة هي الاسباب والمسببات التي جعلت الانعزال والانطواء على الذات داءا متفشيا مقبولا دون البحث له عن علاج، فرفيق الدرب صار الهاتف المتنقل الصغير الذي علاقة كل فرد فيه امست اقوى العلاقات والروابط الوثيقة.
فنرى في الجامعة والاماكن العامة كل اثنين بدل ان يتحاورا معاً يجدان التحدث مع الهاتف افضل فكلاهما يمشي معاً ولكن كل منهما يحدق بشاشة هاتفه الصغيرة، اما زيارات الاهل والاقارب فهي امست شبه معدومة وتقتصر على زيارات العيد حصراً ولربما لاتكون اصلا، صرنا نتقبل الخطأ ونطلق عليه واقع يجب التعايش معه!.
وللبحث حول الموضوع اكثر قام فريق (بشرى حياة) بجولة استطلاع للرأي وكانت البداية مع (جنان) فكان سؤالنا اليها، لماذا امست صلة الرحم صلة مجاملة والعلاقات الاجتماعية علاقات انطوائية؟!
فقالت: الابتعاد عن التعاليم الاسلامية والاسلوب الصحيح للتربية هو اساس كل ذلك فالاهالي تركوا تربية ابنائهم تربية اسلامية وانشغلوا بالحياة المترفة الفارهة فنشأ جيل بعيد عن اهل البيت (ع) وتعاليمهم وقريباً عن مصالحه الشخصية.
وللتكنلوجيا تأثير كبير حيث انشغل الناس فيها وتركوا بعضهم بعضا، فيجب علينا ان نعلم ابناءنا على تهذيب النفس ومكارم الاخلاق ومداراة الناس وتقبل الآخرين وما هو الواجب عليهم وكيفية استثمار حتى التكنلوجيا ووسائل الاتصال في تقوية صلة الرحم ولو بالقاء تحية الاسلام. فعن رسول الله (ص): "صلوا ارحامكم في الدنيا ولو بسلام".
اما (نور الحسناوي) فكان لها رأي آخر حيث قالت: تستهويني كثيرا زيارة اهلي واقاربي، واجنح دوما نحو الذهاب اليهم الا ان انشغالهم المستمر جعلني اعود ادراجاً واقتصر على السؤال عنهم بالهاتف الذي برأيي لايغني عن رؤيتهم والجلوس معهم.
اجل اؤؤكد ان الناس تغيرت واصبحت الشبكات الاجتماعية هي وسيلة اتصالهم بالعالم الخارجي، لكنني احاول الحفاظ على مبادئي وتخصيص كل يوم سبت لزيارة الاهل او احد الاقارب.
اما (زهراء الموسوي) قالت: انا افضل الجلوس مع بناتي في البيت واكره الاجتماعات كثيراً لان النفوس لم تعد كسابق عهدها فالكل متشنج واي خلاف بسيط يكبر ويكبر ويخلف الكثير من القيل والقال، فرأيت الانعزال افضل يعني "اكفي خيري شري".
وتنقلنا بين طبقات من الناس والاعمار المختلفة فكل الاجوبة تقريبا كانت تنصب بمبررات ثلاثة وهي: الانشغال وعدم وجود وقت كافي لصلة الرحم، وتجنبا للمشاكل التي ربما تنولد في كل اجتماع.
ختمنا الاستطلاع مع الشيخ (مرتضى معاش) حيث قال:
اليوم امسى المجتمع مجتمعا ماديا ينظر الى الامور المادية ولاينظر الى الامور المعنوية والاخلاقية،
تحولت كل الامور الى مظاهر واشكال وافتقد الجوهر الحقيقي للاسلام الذي اقيم على الاخلاق، وصلة الارحام من الامور المعنوية الهامة جدا التي تؤدي الى تطوير العلاقات الاجتماعية، ولكن التطور المادي الكبير وابتعاد الناس عن التقوى ووقوعهم في مستنقع التكنلوجيا وغرقهم في بحر الماديات هو الذي ادى الى ابتعادهم عن صلة الارحام وتحولت الى مجرد مجاملات، والتوقعات الزائدة بين الاطراف وعدم القدرة على تفاهم الحوار الجيد وعدم وجود التكافل الاجتماعي جعل الانطوائية الانعزالية تسيطر على الاطراف.
وعدم وجود علاقات متميزة تؤدي للوصول الى التقوى وتحقيق المجتمع الاسلامي الصالح، فنحن نحتاج الى مراجعة ذاتية لانفسنا من اجل تقوية صلة الرحم، فكثير من الانحرافات الاخلاقية والاجتماعية والنفسية سببها الانعزال والانطوائية الموجودة.
ففي الاحاديث ان صلة الارحام تطيل بالاعمار وتكثر بالارزاق وتعالج الانحرافات التي بالمجتمع،
لان الله يبارك في ذلك المجتمع، فنحن نحتاج الى افهام الناس بفلسفة صلة الرحم بعيدا عن المادية والازمات والصراعات الاستنزافية التي تؤدي الى قطع الرحم، فهذه الصلة هي علاج كبير لكثير من الامور.
وعلينا ان نفعّل التواضع، العفو، التسامح وغض النظر عن اخطاء الاخرين والله هو الموفق، نحتاج الى عودة الى القران واحاديث العترة (ع)، فقد اوجدوا لنا قوانينا وضوابط تؤمن لنا عيش آمن وحياة مفعمة بالمحبة والمودة، قال رسول الرحمة: "اعجل الخير ثواباً صلة الرحم".
اضافةتعليق
التعليقات