صديقتي كثيرة التأفف والشكوى، إنها في دهاليز المتاهة المظلمة التي يصنعها الكسالى والخائفين من مواجهة سبل بناء انفسهم!، إنها في مأزق الأتكاليين!، فهي تعلق تردي احوالها المادية وتدني مستواها الثقافي على والديها وزوجها والمجتمع كالملابس على الشماعة، تشعرني وكأنهم سلاسل يقيدون عقلها ويديها، كلمات حفظتهن واقنعت نفسها بهن، لكنها لم تقنعني يوما!.
هي كما هي منذ ان عرفتها لم تستطع ان تتقدم خطوة واحدة لتطوير نفسها روحيا ومعنويا!.
اليوم وبعد ان ضقت ذرعا بشكواها التي لاتنتهي سألتها: هل منعك والدك من الدخول الى المدرسة؟
هل انت مهاجرة وتعيشين مع اناس يعتبرون انفسهم مواطنون من الدرجة الثانية؟
هل زوجك عنيف معك وقاسي ومنعك من الكتابة وحرق كل ماكتبته؟
ردت مستغربة: لا، لم يفعلوا هذا يوما؟
قلت: كل هذه العقبات واكثر واجهتها سيدة تعيش بالطرف الثاني من العالم حتى اصبحت كاتبة مشهورة.
انها النيجيرية (بوتشي إيميشيتا) التي تزوجت وهي بعمر السادسة عشر لتهاجر مع زوجها الى بريطانيا عام (1962) وانجبت خمسة أطفال خلال خمس سنين، رغم تردي أحوالها ومعاملة زوجها العنيفة، لكنها كانت تتطلع الى حياة افضل ويكتسيها امل كبير في تغيير مسار حياتها يوما ما.
وفي يوم قررت ان تدرس رغم دأب زوجها ومعارفها من الافارقة المهاجرين بأقناعها إنهم مواطنون من الدرجة الثانية ولا فرصة امامهم بالتفوق والنجاح.
لكنها كانت تجيبهم بعزيمة واصرار: لن أقضِ حياتي في توضيب القمصان بل سأدرس وأحصل على شهادة المستوى الدراسي الثانوي (A).
فكانوا يعقبون: حتى لو حصلتي على شهادة الدراسة الثانوية فستبقين إمرأة سوداء ولن يكون متاحا امامك سوى العمل في توضيب القمصان ورزمها في معمل الالبسة.
لكنهم لم يثبطوا من عزيمتها ولم يعيقوا حلمها، فاجتهدت وواضبت على الدراسة حتى حصلت على الشهادة الثانوية، ثم على شهادة البكالوريوس في علم الأجتماع من جامعة لندن سنة (1972) ثم واصلت دراستها حتى حصلت على الدكتوراه عام (1991) وكتبت العديد من البحوث والكثير من الروايات التي اغلب ثيمتها السعي نحو المعاملة العادلة بين البشر، وكرامة المرأة والثقة بالنفس، كما منحت وسام الأمبراطورية البريطانية من رتبة فارس (OBE) عام(2005).
ومثل هذه السيدة الكثير ممن استطعنّ بأصرارهنّ وايمانهنّ بالله وبأنفسهنّ بلوغ اصعب الأهداف .
فيا صديقتي، اتركي أوهام ظلم المجتمع لك، وابدأي بتطوير نفسك دينيا وثقافيا فالعالم بين يديكِ وحاولي استغلال جميع الفرص المتاحة لكِ.
اهجري صراعاتكِ النفسية ورممي داخلكِ بالتفاؤل واحترمي حسكِ الانساني الرقيق ولا تستهيني بقدراتك.
افتحي باب التأمل وابحثي عن الطريق الذي سيحقق لكِ حلما حتى لو كان من خرم إبرة لا يهم طال الطريق او ضاق فـ (الله لا يضيع اجر من احسن عملا).
قفي على دكة الأشتهاء المعرفي والعلمي، أروي عقلك بحب الله والتفاؤل وأزيحي البؤس والنكد والحسرات على مافات.
أغلقي آذانك لكل من يحاول ان يحبط من معنوياتك، ولا تنتظري مساندة الأخرين فلكِ ربٌ اسمه الكريم وهو يعطي، حيث ذكر بكتابه الكريم: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)، (البقرة: 186).
افسحي الطريق لشغفك ليوقد فيك جمرة الابداع ففي داخلك نهرا من القوى الخفية التي وضعها الله بكل البشر ولا تتركي روحك تصيبها الضمور والوهن، فقد قال رسول الله (ص): (إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها، ويكره سَفْاسفَه).
اصبري، تحملي، انظري الى ابعد من قدميك سترين المستقبل، اهتمي بخطوتكِ الاولى لتكون صحيحة وانطلقي وكوني مؤمنة ان لك ربٌ يسمع عبده ويعينه.
وظفي تجاربك وخبراتك وفشلك وعثراتك بأيجابية لعملك المستقبلي.و تذكري إن كان الله معك فمن عليك؟! وإن كان عليك فمن معك أقوى منه؟!
ورددي ماكان يقوله الرسول الاعظم (ص): (اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، وأسألك عزيمة على الرشد).
اضافةتعليق
التعليقات