يقول الامام علي (عليه السلام): الغنى في الغربة وطن والفقر في الوطن غربة.
فهل قلة ذات اليد أو غناها لها علاقة بالشعور بالوطنية لدى الانسان المسلم؟ هذا ما يبينه لنا الإمام علي في مقولته هذه.
يعيش الكثير من ابناء الوطن في ربوعه حياة الغنى، التي يفتقد لها الكثير من الافراد في الغربة، حيث العيش في الدول المجاورة او بلاد الغربة فقرا في نفسه.
قد يكون غنى النفس نابعا من العيش في الوطن بحد ذاته، اذ أنّ الوطن عزيز، وهو يمنح عزته لابنائه.
ربما يكون هذا صحيحا، وربما لا.. ولكن سعي الانسان الحثيث وراء لقمة العيش ووراء الحاجة سبب في ظهور أمراض عديدة في النفس، اذ انّه يشغله عن كثير من الامور.
فهو يعيش في غربته حياة مستهلك، اما العمل الذي يوفره الوطن، فهو يعطي قيمة للفرد امام نفسه والمجتمع. وربما تكون الحاجة نفسها موجودة، لكن مقدار الراحة و الطمانينة قرب مراقد اهل البيت (عليهم السلام) يمنح الكثير من الغنى للنفس، وهذا ما يشهد حتى الزائرون بذلك، حيث يشعر الزائر بغناه عن تسمية حاجته أمام قبر الامام (عليه السلام)، ففي زيارته غنى عن اي حاجة مهما كانت ملحّة.
ولا أُخفي سرّا، إنّ أرض الحسين (عليه السلام) منارا للقيم والمبادئ، وتشحذ همم البعض من المؤمنين للشهادة، حيث يحتفظ بعضهم ممن يجاور المراقد بأمنية الشهادة ختاما لقاموس حياته، سائلا المولى القبول ليكون مجاورا للحسين في الدنيا، ورفيقا له في الأخرى.
ولعل الحسين (عليه السلام) واخيه ابي الفضل (عليه السلام) مدارس تعلم الاجيال حب الاوطان، والثبات على المواقف الصحيحة، في الذود عن بيضة الاسلام، ولهي لعمري نعمة نشكر الله تعالى عليها، اذا انها تربي الفضيلة، والاخلاق الحسنة، والحشمة والستر، في اوساط الشباب المتطلع للرياض المقدسة اقتداء وتقديسا.
لذا فإعلان غنانا بجوار المولى ابي الشهداء، هو طبيعة في النفس، وجبّلة في الروح، وعطاء من الله نفتقد له في أماكن كثيرة، ونجدها في كربلاء.
كما انّ لتجارب الانسان في العيش في الغربة دروس، وعبر يقدّمها المسلم لأخوانه، لكي يتعرّفوا على طبيعة الحياة، ويستقون منها ما يفيدهم في حياتهم، ويوسّع آفاقهم ومداركهم حول وجودهم في الوطن، وما هم فيه من نعمة قد لا يدركون قيمتها إلاّ اذا اغتربوا، أو تعرّض الوطن للنكبات لا سمح الله، فإنّ الوطن الذي يوفّر سبل العيش لمواطنيه بكرامة، ويؤدي حقوقهم كاملة فانّه سيسهم في جعلهم مواطنين نافعين لوطنهم، ويفكرون لبذل الغالي والنفيس في سبيل اعلاء المبادئ والقيم التي يؤمنون بها، والتي تشرّبوها من وجودهم في ارض الوطن.
مثل هذا الوطن يفتح ذراعيه للقادمين الى ارضه حبّا وراحة، وفي أرضه أقدس قبور لأناس يحتوون الفقراء، ويمنحون الأمان ويعطون الحوائج.. وفي ذلك غنى ووطن.
اضافةتعليق
التعليقات