دعاء كميل من الأدعية التي امتزجت بها معاني الجمال والجلال، فلو تذوقها الداعي مرة في العمر لأبصر أثرها فيه، حيث تسكن نفسه ويصفو قلبه وتنتعش روحه، وكأنه يولد من جديد، فكيف بمن اتخذه وردًا يرتوي منه كل ليلة جمعة!
ولنا هنا وقفة عاجلة في بعض عباراته التي ندعوا بها كقولنا: (يا رَبِّ ارْحَمْ ضَعْفَ بَدَنِي، وَرِقَّةَ جِلْدِي وَدِقَّةَ عَظْمِي، يامَنْ بَدَأَ خَلْقِي وَذِكْرِي وَتَرْبِيَتِي وَبِرِّي وَتَغْذِيَتِي، هَبْنِي لابْتِداءِ كَرَمِكَ وَسالِفِ بِرِّكَ بِي)*، فعند التأمل بها نجد إشارات لبلوغ ونيل رحمة الله تعالى :
الإشارة الاولى: المعنى الظاهري للعبارة هو إننا نطلب من الله تعالى أن يرحم ضعف هذا البدن ورقة هذه الجلود ودقة هذه العظام في ذلك العالم، فنحن المحتاجون بكل الأحوال للطلب والتوسل لنيل رحمته سواء كنا من أهل الطاعة أو العصيان، وإن كنا نقر بأنه سبحانه لم يبدأ إلا بجميل الذكر والعناية والرعاية، فهل يُتوقع من قديم الإحسان إلا الرحمة والغفران لمن ناداه، بلا شك! كلا، ولهذا العبارة لم تقل ارحم هذا البدن وهذا الجلد وهذا العظم فقط بل شخصت حقيقة هذه الجوارح من ضعف ودقة ورقة، وكلها اعترافات المحتاج للغني وتوسل الضعيف بالقوي، وفي ذلك اظهار للأدب في محضر المعبود.
الإشارة الثانية: أن الإمام - كما يبدوا - أيضًا يصور لنا عظيم الكرامة وجميل الصناعة التي أنشأنا عليها ربنا الكريم، لذا نحن هنا تارة نستلهم معنى معرفي إذ نقدم رجاءنا وحسن ظننا به في أن يُنيلنا في يوم الحساب رحمته لا عذابه، فنحن صنيعته وهو أعرف بضعفنا وحاجتنا لرحمته، وهو المالك لنا فهو الأولى برعايتنا وحفظ ما هو ملك له من التلف والهلاك.
وتارة أخرى نستلهم منها معنى عملي يحركنا نحو معرفة كيفية السعي لتحصيل هذه الرحمة في الدنيا والآخرة، وذلك من خلال إن هذه الفقرات تُثير في دواخلنا هذه التساؤل: كيف لنا بعد عظيم هذا الصنيع وهذه الرعاية الالهية بالتربية والذكر والتغذية أن نتجرأ في ألا نكون ممن يحفظ بدنه وجلده وعظمه من أن تنال منها نيران عذاب الجبار، ولا ندفع عنها استحقاق جزاء العصيان فتكوى وتحرق وتذرى لتتحول بعد ذلك رميمًا، أليس الأولى بنا أن نشفق عليها ونكرمها بأن نكون سببًا لنيل رحمة الله تعالى بها واخلادها بالجنة ونعيمها؟.
وهذه الحقيقة الوجدانية هي التي نرددها في ختام هذه الفقرات بهذا الطلب [هَبْنِي لابْتِداءِ كَرَمِكَ وَسالِفِ بِرِّكَ بِي]، اي بلغني أن استشعر هذا الكرم وقديم هذا الاحسان بأن لا أحجد بهذه الرحمات، بل اشكرها واحفظها لتدوم حتى يختم لي بأن أعود إليك وقد بلغت حقًا هذه العبارة التي تقال إلى الوافدين إليك إنها عبارة [انتقل إلى رحمة الله].
————
اضافةتعليق
التعليقات