نظراته الثاقبة و هو ينظر الى السماء.. جسده المكتنز، و هيكله الفارع.. كل ما فيه تنم عن تفاصيل الرجولة و الهيمنة.
رجلٌ وسيم جسيم في عقده الثالث من عمره خط بإسمهِ معيار الرجولة! ليقف التاريخ احتراما لجلالة غيرته و تنحني الكلمات خجلاً لعظمته، عندما كان يشهق غضباً.. تراه يزفر في المقابل لهيباً يحرق فيه جلَّ أعداءه، رجولته كانت تسد عين الدنيا و ما فيها. ما أن تذكر إسمه امام قومٍ.. أما ان تراهم يضعون أيديهم على رؤوسهم إحتراماً و تبجيلا لهذه الشخصية العظيمة او يرتجفون خوفاً من حروف إسمه الاربعة! كان نعمةً للناس.. و عذاب الله للأعداء... ومازال.
عندما كانت تخطو أقدامه على الأرض كانت ضربة رجله تحرك الهواء من حوله.. فتجد بقايا التراب عالقةً بين ثنايا رداءه تقبل أطراف جسده فقط كي تنال شرف المثوبة بالعزة و الوفاء، و ما ان ينفض كتفيه تنهمر الرجولة بغزارة عز! هذا هو قمر العشيرة و معيار الرجولةِ...عباس!
يزفر غيرةً بانفاسه العذبة، و هو ينظر الى خيمة الحرم.. ينتظر إشارةً من إمامهِ و قائدهِ الحسين لينتفض نحو الأعداء و يقلب موازين الحياة بسيفه. بينما هو واقف عند الخيمة يتأمل غياهب الظلم الذي ستمحوه واقعة الطف هذه.. إنتفض من مكانه و بركان الغضب تلهب من أعماقه، امتطى جواده و رمق الاعداء بنظرةِ عذاب كأنه خر عليهم من سحاب المعبود جلَّ وعلى.. رتل الشهادةَ و ودع أهل بيته و حبيبة قلبه زينب ببسمةِ حبٍ تفسيرها أبهى ايات العشق الالهي لذلك اللقاء السرمدي الذي سيجمعهم في دار الجنة. مواجهة حقيقية بين 30 الف مقاتل و بين قائد الموتِ عباس!
و ما أن استعد للتقدم... نثر روح الخوف بين صفوف الاعداء، فمن تقدم في ساحة المعركة هو عباس إبن علي.. قالع باب خيبر.
جواده يتقدم رافعاً رأسه.. مفتخراَ بأن من يمتطيه هو عنوان الرجولة و مرهب الاعداء و جحيم الغضب عباس. بينما يتقدم هو... ترى الاعداء يزحفون خوفاً من هندامه الفارع، فيمل هو من مداعبة الموت ليخطف سبعين روحاً بضربات سيفه، فصليل سيفه هو أنغامٍ حبٍ وترانيم شهادة.
فغدوا به بعدما لم يستطيعوا من مواجهة جبل الشجاعة و القوة عباس.. و رموه بالنبال، و لم يشعر بالالم قط، فوجع الكرامة أعنف من ضرباتهم الواهية.. ولم ترعه كثرتهم و أخذ يطرد اولئك الجماهير وحده، و لواء الحمد يرفرف على رأسه.. فلم تثبت له الرجال و نزل الى الفرات مطمئناً و صولجان الرجولةِ تلمع في عينيه، فهذا الشبل من ذاك الاسد!.
بعد معركة دامية، بات العباس شهيداً بعزةٍ و فخر.. و البسمة لم تفارق محياه و هو ينادي..( عليك مني السلام يا ابا عبدالله) ودع أخاه الحسين بهيمنة العشق الاخوي، ليترك عزرائيل مهمته، و يجعل العباس يقود الموت بنفسه.
ضحى العباس بنفسه من أجل إعلاء كلمة الحق.. و بوفاءه قدّم ملحمة بطولية عنوانها العزة و الإباء. ففي هذه الالفية الثانية يعيد التاريخ نفسه من جديد.. كم شاب يتحلى بصفات عروس المشرعة عباس قدم نفسه و أهله قربانا لرضى الله وفداءاً للحسين.
كم عباساً مثل صرخة الحسين ضد الظلم.. وكم عباسا حمى اعراض النساء من الانتهاك.. كم عباسا كان للحسين ظهرا.
لله الحمد.. لدينا أمهات بنين، من صلب جدهم الحسين، لبوا نداء المرجعية و قدموا أولادهم قرباناً للحفاظ على عرض الوطن و مقدساته..
لا زلت أتذكر ذلك التاريخ المهترىء عندما نقل قول كلمته لاخيه الذي كان مرافقا له و الذي رغب بالعودة الى بلاده فقال له نابليون بغضب: (ظننتك كأخ الحسين!). ولكنه لم يعلم ولن يعلم.. بأن العباس إخترق جدار الزمن، و واقعة الطفِ قد صبغت التاريخ بلون الشفق الدامي الذي لن يتكرر مرتين!.
اضافةتعليق
التعليقات