لمح وجهها مرة واحدة وبنظرة واحدة فقط ولكن لم تكن عابرة او ما تسمى بالنظرة الاولى!! بل تجاوزت ذلك الحد حتى اخترقت شغاف القلب وانغرست فيه كما يُغرس الرمح بقلب المقاتل.
وها قد سكنت قلبه! ولكن كيف وهو لم يرَها إلا بتلك المرة اليتيمة؟!
إجتاحته الحسرة وكأن سهم حبها المغروس بقلبه يجرحه كلما تذكرها او تراءت امام عينه.. فلم يكن بالسهل أن يعبّر عما يشعر به تجاهها لأنهما كمحوران متضادان لا يتقابلان ابداً، فهي ابنة عالي المقام وهو إبن الطباخة بمنزل والدها!.
حاول أن يتصدى لذكراها ويكسر سهم حبها ولكن دون جدوى، فمشاعر الجوى بداخله تبدّلت عناءً وتجسدت عليه بمرض جسدي يزداد سوءاً يوماً بعد يوم.
إلى أن تجرأت امه "الطباخة" وذهبت الى "گوهر شاد" تلك السيدة الجميلة الجليلة لتخبرها عن معاناة ابنها بسبب حبه لها.. أخبرتها بأنه مهدّم الكيان والحيلة ووجع حبها يتزايد بقلبه، بل ليس بقلبه فقط وإنما امّتد في كيانه وانتهك طاقته وعافيته، انه مريض بكِ يا مولاتي.. أصبح اسيراً لعشقكِ، مغلول اليدين، فكيف لإبن طباخة أن يتجاوز حدوده ويخطب إبنة سيده؟! ام كيف يسمح لقلبه بأن يُرسل لها مشاعر الهيام والعشق حتى؟!.
ترنمّت گوهر شاد بضجيج الحب المُرسل اليها منه، إبتسمت وقالت؛ سأوافق على الزواج منه بشرط واحد فقط؛ "وهو أن يُصلّي لله صلاة الليل كاملة على مدى اربعين ليلة متواصلة وبأن تكون صلاته محاطة بالخشوع و التوجه".
فرحت الام بشرطها، فهو سهل يسير وباستطاعة إبنها أن يؤديه حتى يحظى بقرب السيدة الجليلة.. وها قد إبتدأ مشوار صلاة الليل ليلة تلو ليلة يتضمنه "الروحانية والسكينة ،، الحماسة والشغف.
تسارعت الأيام الموعودة وانتهت الاربعون ليلة ولم يصل لگوهر شاد اي خبر من العاشق ذاك !!ارسلت الى أمه حتى تستفسر عن سبب تأخره.. فقالت لها امه: انا متأسفة يا مولاتي ولكن ولدي يقول بأنه حصل على حب أسمى بكثير من الحب المادي!! انه عالق الآن في جمال الحب الإلهي، (فصلاة الليل بعمق وخشوع ادخلته الى عالم آخر.. مما أصبح لا يحتاج اي حبيب سوى الله).
نعم.. فــالحب وطنٌ أصيل بأسوار شديدة الإحكام وحدود لا يجتاحها ويتجاوز صفوها أحد.. شوارعه منظمة دون فوضى وشغب، هدوءٌ وسلام.. أما الإشارات المرورية فيه دائماً يلمع ضوئها الأخضر فقط.. كل معالمه جميلة، كل تفاصيله سعادة.. وعلى قدر سعة مكانه ووفرته الا انه لا يتسع إلا لشخصين فقط، يهب كل خدماته وجماله لهما ويغرقهما بالسعادة والشباب الابدي دون شيخوخة ولا هرم.
حقاً هذا ما يستحق بأن يسمى بسيد المُدن !ولكن!!.. من الممكن أن يتحول في لحظة واحدة من الأمان الى الغربة.. فلا احد يضمن وفاء محبوبه حتى وإن وفى، فالحياة اصبحت غريبة الأمر يتقلب بشرها كل يوم في حال.
اما "حب الله" فهو إكسير السعادة الابدي، يأخذ بيد محبوبه الى اعالي السكينة ويغنيه عن التعلق بأيٍ من بني آدم في الكون.
تعلق بالله .. كن مكتفياً.. كن لنفسك بلسماً من خلاله، كن لنفسك كل شيء.
اضافةتعليق
التعليقات