يعتبر المعتقد أحد تلك المفاهيم عميقة الجذور التي نلتقطها بديهة، ولكننا نجد صعوبة إلى حد ما في تحديدها. تتعلق المعتقدات بأشياء أو مواقف تتضمن قبول المؤمن صحة العبارات حول تلك الأشياء أو المواقف، فإذا اعتقدت -مثلا- أن رئيسي يمتلك مهارات إدارية مثل ثعبان البحر الكهربائي، فأنا آخذ هذا التقييم - مهما كان مجازيا - على أنه تمثيل صحيح للطريقة التي يتصرف بها رئيسي.
يعتمد هذا المعتقد على معتقدات أخرى أحملها عما يشكل الإدارة الجيدة، وعن سلوك رئيسي في الماضي، وعن سلوك ثعبان البحر الكهربائي ثم مع مرور الوقت واعتمادًا على التجربة، سأكون قد بنيت شبكة معقدة جدا من أمثال هذه المعتقدات.
لكن تعقيد تلك الشبكة لا يضمن بالتأكيد أن المعتقدات المكونة لها صحيحة، فقد تتطلب المعلومات الجديدة مني تعديلا، أو حتى التخلي عن واحد أو أكثر من تلك المعتقدات؛ فعلى سبيل المثال: افتراضي أن ثعبان البحر الكهربائي يتخبط هنا وهناك – الذي يعتمد عليه تشبيهي المجازي لأساليب رئيسي في الإدارة قد لا يبقى بعد مشاهدة برنامج تاريخ طبيعي يخبرني أن ثعابين البحر الكهربائية هي في الحقيقة مفترسات دقيقة وفاعلة؛ إذ إنني إذا قبلت نتائج البرنامج فيجب عليَّ أن أغير ليس فقط اعتقادي حول ثعابين البحر الكهربائية، بل اعتقادي حول رئيسي أيضًا.
بعبارة أخرى، قد يزيد أي تغير في معتقد واحد من المستوى العام للتضارب في الشبكة ثعابين البحر الكهربائية التي يشكل المعتقد أحد مكوناتها. يتعارض الآن المعتقد المعدل الكهربائي)، فينشأ عن فاعلة مع المعتقدات الأخرى ذات الصلة (يشبه رئيسي ثعبان) فينشأ عن ذلك حالة مجهدة أسماها عالم النفس ليون فستنغر Leon Festinger « التنافر المعرفي».
البشر قادرون بالتأكيد على تبني معتقدات متناقضة؛ وإلا فكيف يعارض كثير من الناس الإجهاض في حين أنهم يدعمون عقوبة الإعدام، أو العكس بالعكس؟ ومع ذلك، فإننا نميل للانزعاج عندما يفرض التضارب بالقوة على انتباهنا، خاصة إذا كانت المعتقدات المتضمنة مهمة لنا. يمكن أن يكون التنافر الناتج من التضارب بين المعتقدات القوية قوة محفزة كبيرة قد تتطلب تغيرات في الشبكة إذا ما أريد استعادة الاتساق العام بين مكونات الاعتقاد ضمنها، ويعد الاتساق بضاعة مرغوبة جدا.
إن الافتراض بأن عالمنا إذا لم يكن منطقيا فهو غير متناقض بصورة صارخة، حاجة أساسية خدمت جنس الإنسان العاقل Homo sapiens بصورة جيدة جدا على مر القرون؛ لذلك إذا علمنا أن معتقداتنا - التي نعدها على كل حال تمثل الواقع الذي عليه العالم تحتوي على متناقضات، فيكون لدينا مسوغ لافتراض أن هنالك خطأ ما في تمثيلاتنا للواقع. يمكن أن تكون المعتقدات غير الصحيحة خطرة جدًّا للمؤمنين بها، كما اكتشف كثير من أعضاء الطوائف وعائلاتهم بعد الخسائر الكبيرة التي امُنوا بها، لذلك يذهب البشر بعيدا في إزالة التناقضات بين أكثر المعتقدات التي يحملونها عمقًا. أما ما يتعلق بالمعتقدات الأقل قيمة فالجهود المطلوبة لتغيير الشبكة لا تعد مشكلة، إذ يغلب أن يكون لمثل هذه المعتقدات الضعيفة روابط قليلة نسبيًا مع المعتقدات الأخرى (لا أعرف كثيرا عن ثعابين البحر الكهربائية، ولا أمضي كثيرًا من الوقت في التفكير برئيسي).
تتعلق أكبر درجات التغيير بالمعتقد المتأثر نفسه (يجب علي أن أعكس رأيي غير المناسب عن ثعابين البحر الكهربائية)، وتلك المرتبطة بها مباشرة (يجب علي إيجاد وصف آخر لرئيسي). مع الابتعاد عن هذه النقطة المركزية فإن درجة التعديل المطلوبة تقل بسرعة (لست مضطراً إلى تغيير نظريتي حول ما يشكل مهارات الإدارة الناجحة، أو رأيي حول امتلاك رئيسي هذه المهارات)؛ لذا فالمعتقدات الضعيفة خانعة للواقع، بمعنى أنه إذا توافرت معلومات جديدة تتطلب منها التغير، فإنها ستتغير، من دون بذل كثير من الجهد من قبل المؤمن بها. ولكن، إذا كان المعتقد المهدد مطعون به بمعلومات جديدة) معتقدًا متمسكًا به بقوة فإن النتيجة قد تكون مختلفة جدا؛ ذلك أن المعتقدات القوية قوية لأنها تعززت في مناسبات عديدة، أو بمنبهات قوية جدا أو كلا الأمرين معًا، إنها منغرسة عميقًا في المشهد المعرفي، ومنغمسة في شبكة من الارتباطات مع المعتقدات الأخرى.
اضافةتعليق
التعليقات