تتجلى الكلمات، وتتحلى الأرواح بعبقٍ جديد، وملتقى حميد يحييه المنتظرون.
في ذلك اليوم، شاهدت دول عربية، وأخرى أجنبية، المدارس، والبيوتات النساءوالرجال، واطفالنا الصغار وبمختلف اللغات تُنشد له.
ففي ذلك النادي الرياضي توافد الناس مبكرًا؛ ليحجزوا مكانًا لهم ولعوائلهم، فالأماكن والمقاعد امتلأت بالحضور، رغم العطش وحرارة الجو. وما أن بدأت كلمات الأنشودة تطرق سماع الجمهور، حتى أخذت الأغصان تتمايل مع الورود بأيديهم؛ لتهدي إلى المهدي السلام.
ومع وقع الكلمات وأثرها في النفوس رُسمت أفكار في الأذهان، عبرت محيطات العالم والخلجان، تبحث وتسأل أين أنت يا إمام العصر والزمان؟! أسئلة كثيرة في صدور تلك النخبة من الطالبات اللاتي حَضرنَ المهرجان، عسى يحين الوقت ويجدنَ الجواب. وحَملنَها إلى قاعة الصف. دخلت الإدارية لشؤون الطالبات وأقبلت نحو اللوحة الخاصة للكتابة؛ لتعلن عن دروس الحصص اليومية، رتبت الأيام وكتبت الدروس بمحاذاتها وأشارت إلى حصة يوم الخميس بكلمة (ندوة)، وسألت احداهن تلك الإدارية:- ما الموضوعات التي ستتناولها (الندوة)؟
وكان الرد: -عزيزتي سؤالك ستجيب عليه مدرِسّة المادة إن شاء الله.
رددت الطالبة في نفسها: إن القضية المهدوية ليست منعزلة عن واقعنا، كل شيء في حياتنا رسالة ورسالتنا أن نعرف كيف نُمهد للظهور؟
بعد ذلك دخلت ست جنان الصف وبدأت محاضرتها، كانت منشرحة الصدر، مبتسمة، بعد أن حيّت الطالبات، أخبرَتَهن؛ بأن هذه المحاضرات ستكون خاصة بالإمام الموعود فيما يتعلق بالانتظار، والتمهيد لظهوره المبارك.
وما أن صرَّحت الست جنان بذلك، حتى أيقظت في نفوس الطالبات ألف سؤال وسؤال، أُضطرت أن تقطعها بعد أن أجابت على بعض منها محاولة منها أن تتناول صلب الدرس ومادته.
وشرعت بالدرس الفعلي وقالت: من أهم ما يساهم في التمهيد للظهور هو بناء شخصية معنوية وروحية لدى المؤمن تؤهله لنصرة القيام المهدوي، وهناك آليات عديدة لبناء الشخصية الإسلامية عموماً، ولعل أهم تلك الآليات هو اتخاذ القدوة الحسنة والسير على نهجها والتزود بالعلم والمعرفة وغيرها.
وبناء هكذا شخصية يجعل الإنسان قويّاً عند الشدائد صبوراً عند النوائب، عزيزاً يرفض الذل، شجاعاً لا يعرف الجبن، صادقاً لا يكذب، أميناً لا يخون... وساد الصمت المكان، وبان الانشداد إلى الحديث عن صاحب العصر والزمان، وتابعت قائلة: بناتي الطيبات: اعلمكن أن خير درس لخلق الشخصية المهدوية يكمن في زيارة الأربعين لسيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام).
فإنَّ الانتظار للإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) من أهم المحفزات على العمل الديني والاجتماعي والإعداد لذلك من أهم الطاعات، فبين تراث الماضي وأمل المستقبل تكوّن الحاضر الإيماني والتعبوي لدى أتباع الحق، وتولَّدت حالة معنوية عالية تمخض منها عدة فعاليات وعبادات، وتحرّكات ومن هذه الفعاليات العبادية المهمة هي الزيارة الأربعينية المقدَّسة، والتي تميزت بربط الماضي الحسيني بالمستقبل المهدوي لتوليد حاضر يفرض علينا واقعاً يجعلنا ننظم أنفسنا من كل النواحي استعداداً وتمهيداً لدولة الحق.
وقطع الحديث صوت جرس انتهاء الحصة وسط تأفأف بعض الطالبات حيث رغبتهن في الإستمرار، ودّعتهن السيدة جنان على أمل اللقاء مرة ثانية بإذن الله.
واستمر الحديث بلا هوادة في أمسية يوم الجمعة المبارك، حيث اجتماع الطالبات في بيت إحداهن، وبعد احتساء أكواب القهوة والحديث العام، طرحت إحداهن سؤال مهدويًا به اشتد الكلام، وأخذ جديته، وسط كتب متعددة كان أبرزها كتاب (الإمام المهدي من المهدِ إلى الظهور) لمؤلفه السيد محمد كاظم القزويني، وكتاب (المحجة فيما نزل في القائم الحجة) للمؤلف: السيد هاشم البحراني، وأيضا كتاب (بشارة الاسلام) في ظهور صاحب الزمان (عجل الله فرجه) لمؤلفه: السيد مصطفى آل السيد حيدر الكاظمي، وكلما حدث الاختلاف في موضوع النقاش؛ يبحثن في تلك الصفحات إلى أن يَجدن الجواب، ولتلطيف الجو، واستمرار الحوار والنقاش الهادف؛ كانت أم زهراء صاحبة البيت المضيّف مهتمة بتوفير القهوة، والعصير وبعض الحلويات، وهي مستمتعة بالحديث الذي يدور مع زهراء وصديقاتها، والذي ظل في ذاكرتها رغم مرور الأيام.
أما الست جنان فقد فرِحَت جدا عندما سمعت أن هناك اهتمام بقضية الإمام الموعود (عجل الله فرجه) من قبل طالباتها، وتوالت محاضراتها ضمن جدول حصصها.
وهذه المرة دخلت حصتها محملة بمعلومات جديدة، وبعد أن مرت بلحظات تذكير للدرس السابق، قالت: لكي تكوني مؤهلة ومستعدة لنصرة الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه)، عليكِ أن تعرفي أحد مقتضيات تعجيل الظهور، هو وجود الموارد البشرية الناضجة والمستعدة استعداداً حقاً لنصرة المنقذ.
وهذا ماتجدينه فعلا في زيارة الأربعين من دروس وعِبر ومنها السير على الأقدام. وقد وردت بعض الروايات في المشي وأهميته العبادية التي تشبه إلى حدٍ ما موسم الحج من حيث التنوع العبادي والجهد المعنوي والتعبوي، فيمارس فيها مجموعة من العبادات كالزيارة والصلاة -هكذا أكملت محاضراتها الست جنان، وسط الاهتمام من قبل طالباتها بحسن الاصغاء، وختمت بالإجابة على سؤال من إحدى الطالبات كان تحت عنوان:
ماهي أهم وظيفة للمنتظرين العارفين الواعين المثقفين؟
إن أهم وظيفة تجب علينا لنساهم في التمهيد، ولنهيئ الناس لاستقبال الإمام (عليه السلام)، هي:
التعريف به.
تعريف الناس وبالخصوص الشباب بالإمام (عليه السلام) وبكل مايتعلق به وبالتمهيد لظهوره، وتعميق العلاقة معه، وتمتين أواصر الصلة به، بحيث لا يكون لهم ذكر غيره.
إن الناس إذا عرفت الإمام وأحبته فإن هذا مما يسهم في نشر العقيدة الصحيحة والأخلاق بين الناس، ويشحذ هممهم ويحفز نفوسهم ويرفع معنوياتهم، ويكون لهم حصنا حصينا لهم من الفتن، ويحافظ على هويتهم من المحق والضعف، ويكون لهم دور في انتظار الفرج والذي هو أفضل العبادات.
لكن كيف نعرّف الناس بالإمام؟، وكيف نقدم بطاقة تعريفية عنه؟!
نفسه الإمام المهدي (عليه السلام) يوضح كيف أنه علينا أن نعرفه المعرفة الصحيحة المطلوبة، صلوات الله يعرّف لنا نفسه المقدسة.
قال طريف بن نصر (دخلت على صاحب الزمان، فقال: عليَّ بالصندل الأحمر، فأتيته به، فقال: هل تعرفني، قلت: نعم، أنت سيدي وابن سيدي، فقال: ليس عن هذا سألتك، قال طريف، قلت: جعلت فداك فسّر لي، قال عليه السلام: أنا خاتم الأوصياء، وبي يدفع الله البلاء عن أهلي وشيعتي.
هذه هي المعرفة التي يريدها الإمام (عليه السلام) منا.
انظر إلى طريف، والذي هو خادمه وخادم أبيه عليهما السلام، ويعرف الإمام عليه السلام جيدا، يقدم معرفته بالإمام فيقول له: أنت سيدي وابن سيدي، أي أنك الإمام ابن الإمام، فطريف يعرف الإمامة ويعرف أنهم الأئمة وسادة الناس، لكن الإمام هنا يضيف معرفة جوهرية تخصه، وعلى شيعته أن يعرفوه بهاوهي أنه:
١- خاتم الأوصياء.
٢- أن خلاص أهله وشيعته والأرض وجميع العالم متوقف عليه، لا على غيره، أن رفع البلاء والظلم والقهر والقمع والفساد عن الأرض لا يكون إلا على يديه.
وهذه نقطة جوهرية في معرفة الإمام الموعود.
لأن هذه المعرفة، أولا: ترسّخ حقيقة الولاء وصدق الإنتماء له (عليه السلام).
وثانيا: هي تنفي كل دعوة باطلة تدعي الإنتماء إليه، أو كل من تسمى بإسمه ولقبه المهدي أو غيره، أو ادّعى أنه اليماني، وكل من انتسب إليه زورا وبهتانا، وتفضح كل فرقة ضالة منحرفة من غيبته وإلى ظهوره المبارك، وتقطع الطريق على كل مدع.
فإن الناس لو عرفوا الإمام (عليه السلام) بهذه المعرفة وترسخت في قلوبهم، فإنها تكون لهم عصمة من الإنحراف، ووقاية من الإنجرار وراء كل دعوة والسير خلف كل ناعق؛ وبذلك يدخرون أنفسهم للإمام وينتظرونه ويمهدون له.
هذا مايجب علينا في الوقت الحاضر في عصر الغيبة.
وفقنا الله وإياكم وجعلنا من المنتظرين قولا وفعلا.
وأخيرًا طلبت الست جنان بأن تُرفع الأكف إلى السماء، وقراءة جماعية لدعاء:
اَللّـهُمَّ كُنْ لِوَلِيِّكَ الْحُجَّةِ بْنِ الْحَسَنِ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَعَلى آبائِه في هذِهِ السَّاعَةِ وَفي كُلِّ ساعَة وَلِيّاً وَحافِظاً وَقائِداً وَناصِراً وَدَليلاً وَعَيْنا حَتّى تُسْكِنَهُ اَرْضَكَ طَوْعاً وَتُمَتِّعَهُ فیها طویلا.
اضافةتعليق
التعليقات