يختلف مفهوم الجمال من مجتمع لآخر إلا أنَّ صفات الجمال بشكلٍ عام غالباً ما تكون محددة بالشكل والمظهر، وخاصة بما هو منسوب للمرأة، وهذا التقييم ليس بالمنصف ف الأهم من الجمال الخارجي للإنسان هو الجمال الدّاخليّ، المتمثل بجمال الذات الإنسانية، وصفاء الروح، نقاء القلب، ومحاسبة النفس وصيانتها من السلوكيات والآفات الدخيلة التي قد تصيبها.
حينها نحتاج العودة إلى الذات وغربلتها من العيوب التي لحقت بها؛ حيث إن جمال المرأة الحقيقي يتمثل بالتحلي بالصفات الإيمانية وشعورها بالآخرين ومبادلتهم الحبّ والعطاء، فالمرأة المتكبرة.. باردة القلب والمشاعر التي لا تستطيع أنْ تحبّ أحداً سوى نفسها لا تكون جميلة أو جذابة أو حتى مرغوب بها، وإن ادعت الثقافة حيث إن المرأة الجميلة تُثري نفسها بالمعرفة ولا تُهمل عقلها، لأنها مسؤولة عن بناء جيل، وتعكس جمال ونقاء روحها وثقافتها على أبنائها في المستقبل. وتتقبل نتائج الأمور السيئة والجيدة من خلال ثقتها بنفسها.
ويجدر بنا التّفريق بين الجمال الداخلي والتّباهي، فالمرأة المتباهية هي التي تسعى إلى جذب انتباه الآخرين إليها ليمدحوا جمالها الخارجي وتفكيرها وتصرفاتها، وفي حادثة روتها أحد الزميلات قالت :
ذات يوم وأنا في طريقي للعودة من المدرسة التقيت بزميلة كنت قد فارقتها لفترة من الزمن حيث كانت معي في مدرسة سابقة، وكان قد حصل سوء فهم بيننا بسبب تدخلها بما لا يعنيها، وكانت تختلق المشاكل وتعشق النميمة، وكانت كثيرة التباهي حتى أنها تشعر أن لا أحد أفضل منها، وبعد أن أسديت لها النصيحة قلت لها: إن تلك الصفات ذميمة ولا تليق بنا نحن أتباع أهل البيت، بل يجب عليك الأقتداء بسيدتي ومولاتي فاطمة الزهراء وابنتها السيدة زينب "عليهما السلام". وبعد أن وصلت معها إلى طريق النهاية وحصل سوء فهم بيننا، لم أتحدث معها إلى أن أفترقنا بعدها وانتقلت أنا إلى مدرسة جديدة.
اقتربت مني ذلك اليوم وألقت التحية وعانقتني ثم قالت: كل عام وأنت بألف خير "مبارك لك ولنا الولادة الميمونة لسيدة نساء العالمين" وأنا أغتنم هذه المناسبة واعتذر لك عن مابدر مني ولكل الزميلات. كان يبدو عليها تغير جذري من هيئتها، بل حتى طريقة حديثها تختلف كلياً عن سابق عهدها. أمعنت النظر إليها، هي ذات الملامح ولكن وجهها يشعُ منهُ الملامح الأيمانية النوراية تتكلم بحياء وخجل. أجابتني بعد أن لاحظت نظرات الأستغراب التي بدأت تغزو فضولي حيث قالت :
نعم عزيزتي أنا هي نور زميلتك! لقد تغيرت وتأسيت بأهل البيت عليهم السلام، وبالأخص قدوتي مولاتنا "فاطمة الزهراء"، فبعد أن قرأت أكثر من كتاب عن سيرتها الذاتية وحياتها، وعفتها، وعن مولاتي زينب الحوراء وأخذت أقارن بين صفات المرأة المؤمنة وصفاتي وتعاملي مع الآخرين في كل جوانب الحياة انشغلت بمحاسبة نفسي وأصلاحها حتى أني أخجل من تصرفاتي القديمة.
وبعد أن أطرقت رأسها خجلاً. عانقتها وقلت: أهلاً بعودتك. لقد علّمنا الحر بتوبته أن الإنضمام إلى قافلة الحق يثلج الصدور وإن كان متأخراً، فهو يزيح الغبار عن مرآة النفس الصافية، فخير الأعمال المحببة إلى اللّه هي مراجعة النفس وتهذيبها، وتلك الصفات الأنسانية، والأخلاق القيمة؛ تحتاج إلى قدوة ومثل أعلى للمداومة عليها والتأسي بها..
ولا يوجد أعظم وأنبل من أهل البيت في الإقتداء بهم، لذلك أوجب اللّه عز وجل معرفتهم (عليهم السلام) حتى يكونوا حججاً على الخلائق يوم القيامة، فأصبحت طاعتهم واجبة على كل مؤمن ومؤمنة، حتى يعرف من خلالهم كيف يتقرب من اللّه عز وجل، فالزهراء عليها السلام؛ أفضل قدوه للمرأة تقتدي بها جميع نسوة العالم، المرأة الطاهرة العفيفة ذات العلم والدراية في كل صفات المرأة الناجحة التي تبحث عنها نساء اليوم هي في شخص الزهراء، التي تربت في بيت منهل العلم والمعرفة في بيت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله).
لأنّ ذكر أهل البيت (عليهم السلام) هو ذكر الإسلام وأمرهم أمر الإسلام، وقد وعَدَ الله أنْ يظهره على الدّين كلِّه ولو كَرِهَ المُشْركون؛ فلماذا لا نتجمل بصفات أهل البيت! ذلك الجمال الحقيقي وأسلك طريق الحق الممهد للجنة، واترك هوى الدنيا وزيفها. وأفضل طريق للعودة النورانية للقلب هي مراقبة الأفعال؛ وأن نسعى جاهدين في محاسبة النفس فنكون أجسادا في الأرض وقلوبا في السماء.
وما إن يحصل من أحدنا تقصير أو زلّة إلا ويسارع في معالجة خطأه، ومعاقبة نفسه على ذلك، حتى لا تكاد تأمره إلا بخير. لذلك ينبغي على العبد أن يراقب نفسه في جميع أعماله، ويلاحظها بالعين الخالصة، لأنها إن تركت بلا مراقبة فسدت وأفسدت. ثم عليه أن يراقب الله في كل حركة وسكون، وذلك بأن يعلم بأن الله مطلع عليه وعلى ضميره، خبير بسرائره، رقيب على أعماله، قائم على كل نفس بما كسبت، وأن سر القلب عنده مكشوف فقد قال الله تعالى: (إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً).
ويروى أن زليخا لما خلت بيوسف قامت فغطّت وجه صنمها، فقال يوسف: ما لك تستحين من مراقبة جماد ولا أستحي من مراقبة الملك الجبار؟!. فالخوف من اللّه في التعامل مع الآخرين، ومحاسبة النفس في الأمور، وصيانتها عن الاخلال بالواجبات ومقارفة المحرمات. والمراقبة في الطاعة والإخلاص ومراعاة الأدب بالتفكير. وإصلاح النفس فإنّها (أمّارة بالسوء) متى أهملت زاغت عن الحق، وانجرفت في الآثام والشهوات، وأودت بصاحبها في مهاوي الشقاء والهلاك، ومتى اُخذت بالتوجيه والتهذيب، أشرقت بالفضائل، وازدهرت بالمكارم، وسمت بصاحبها نحو السعادة والهناء.
ولأن نور أهل البيت هو نور الإسلام الذي يهدي إلى بر النجاة ولأن الله يأبى أن يتم نوره ولو كرِه المُشركون، فأتباع المسلم لهم هو النور الذي يرشدهم من الظلمات إلى النور، مهما كان الظلام دامساً ومهما كانت الطريق نائية، وبعيدة.
لذلك على المرأة أن تُجمل ذاتها وروحها وأفضلها الإصلاح؛ فالمعرفة أغنى غذاء للعقل والروح، ومتى ماكانت المرأة متعلمة ومدركة لما حولها تكون واعية ومتفهمة وقوية وقادرة على تحدي الصعوبات والمشاكل التي تواجهها في المجتمع. فعسى أنْ يأتي يومٌ تتغيّر فيه نظرة المجتمعات من الاهتمام بالمظاهر الخارجيّة والسّطحيّة إلى نظرة أكثر عمقاً للجمال الداخلي الحقيقي وتنظر إلى رقي وثقافة الفرد.
اضافةتعليق
التعليقات