عندما استمعت إلى خطبة المرجعية في إحدى الجمعات الحامية التي ينتظرها الشعب العراقي بفارغ الصبر و يجلسون شيباً وشبابا ونساء واطفالاً خلف شاشات التلفاز أسبوعياً للاستماع إليها وتحديد مصير خارطة طريق متظاهرين ثورة أكتوبر، سرد لنا الخطيب في إحدى خطب عهد الامام علي عليه السلام إلى مالك الاشتر، استوقفتني إحدى الوصايا والتي يتحدث فيها الامام علي عليه السلام إلى مالك ويشدد عليه في عدم سفك الدماء بغير محلها ويقول: "إياك والدماء وسفكها بغير حلها، فإنه ليس شيء أدعى لنقمة ولا أعظم لتبعة ولا أحرى بزوال نعمة وانقطاع مدة، من سفك الدماء بغير حقها! والله سبحانه مبتدئ بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة، فلا تقوين سلطانك بسفك دم حرام، فإن ذلك مما يضعفه ويوهنه بل يزيله وينقله. ولا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد، لأن فيه قود البدن...".
إن في هذه الوصية تهديد مباشر وواضح لمن يسفك دماء الرعية ولو رجعنا إلى تاريخ كبير من اضطهادات الرؤساء إلى شعوبهم لوجدناه مليء بنهايات مخزية، فرب العباد يمهل ولا يهمل، يمهل القائد أو الرئيس الظالم على ظلمه ويعطيه فرصة ويمهله على سرقته لعله يصحى إلى رعيته ويتغاضى سبحانه عن قراراته وعن المعاهدات والمحاصصات والاتفاقيات التي خلف الطاولة.
ولكن عندما يصل الأمر إلى سفك الدماء بغير حق يكون القصاص لهم غالي الثمن واللعنة تقع عليهم من حيث لا يعلمون كنيزك ثائر عليهم يقلعهم من أماكنهم قصاصا للدماء الزكية، والأدلة العالمية والمحلية كثيرة في هذا الموضوع والتاريخ يشهد على ذلك فأكبر جبابرة الحكم وأكثرهم دكتاتورية قلعته دماء الرعية من كرسي الحكم ابتداءً من فرعون وكيف طغى إلى يومنا هذا.
ففي الأزمة الحالية في العراق كانت مطاليب الشعب انهاء رؤوس الفساد والبدء برأس القائمة رئيس الوزراء العراقي واستمرت هذه المطاليب ورئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي يماطل مع المطاليب يوماً تلو الآخر إلى أن وصلت المواصيل إلى سفك الدماء الزكية وذبح الأرواح البريئة عمداً وعبثاً من أجل الاستمرار بهذا الحكم الظالم، هنا تدخلت ارادة السماء وانهت عرش سلطانة وهشمت زجاج حكومته.
في الوقت الذي ملئ العلم العراقي دماء العراقيين الزكية، طرد العرش قائده وقال له اذهب فأنت مكانك ليس هنا.. يالها من نهاية مخزية وليس لها معنى مقابل الدماء الزكية التي سالت، ولكنها تعتبر بداية لطريق جديد، بداية لنهاية حقبة من الزمن السوداء. فدماء شهداءنا رسمت خارطة الطريق للوطن الجديد الذي نريده.
إن إسالة الدماء الزكية وهدر أرواح الشباب الأبية بغير حق أثرها وجزاءها كبير جدا عند رب العرش العظيم وتهتز لها ملائكة السماء ويحل الغضب الإلهي على من يتسبب بإراقة الأرواح، فكيف سيكون الرد الالهي على من يتسبب بإشعال نار الفتنة بين أبناء الشعب الواحد لإراقة دمائهم وخلق فوضى عارمة في البلاد.
لازالت الدماء العراقية الزكية تسيل والشهداء في زيادة ونحن الآن في حكومة شبه معدومة وعلى طريق الهاوية كما يتوقعه أغلب المحللين السياسيين.. ولكن بإستطاعتنا تغيير خارطة الطريق التي رسمها لنا المبغضين وأعداء نجاح ثورة تشرين نستطيع أن نخمد نيران هذه الفتنة التي يتحدث عنها الجميع وذلك من خلال تماسكنا ووقفتنا جنباً إلى جنب وبكلمة واحدة ورأي واحد، يقع على جميع العراقيين مهمة كبيرة جدا وهذه المهمة هي الحد الفاصل في العبور إلى الجانب الاخر وهو بر الأمان..
علينا التحلي جميعاً بروح المواطنة الصالحة وأن نطفئ نار الفتنة من قعر دارها وهذه المهمة تقع على الأكادميين والمثقفين والناشطين عليهم توعية الشعب العراقي الثائر وقتل الفتنة قبل ولادتها من خلال تنفيذ وصايا المرجعية الرشيدة في ابعاد المندسين والمخربين واللذين يسعون إلى اشعال نار الفتنة بين أبناء الشعب الواحد عن ساحات التحرير وساحات التظاهرات ويجب أن يكون هنالك لجان تنظيمية من أبناء الشعب العراقي وأبناء ثورة تشرين تحديداً لطرد أي مخرب يحاول أن يدخل بينهم ويشوه سلمية التظاهرات.
اليوم نحن في مخاض مرحلة تحتاج الكثير من التعب والكثير من التضحيات والخسائر ونستطيع اجتياز هذه المرحلة بأقل الخسائر، هنالك أعداء لنجاح هذه المرحلة يجب أن نكون على أتم الاستعداد لمواجهة هذه الموجة وتشخيصها وأن لا نذهب خلف المهاترات والانشقاقات.
علينا أن لا ننسى دماء الشهداء اللذين بذلوا أرواحهم من أجل إرجاع الروح إلى الوطن الذي أنهكته السنين العجاف، وارجاع الأمل إلى شعب خيم عليهم اليأس والتعب والحرمان، ويجب أن نرد إليهم العرفان من خلال تماسكنا واكمال طريقهم في الاصلاح والوقوف أمام كل من يريد عرقلة هذا الطريق ولكن بالعقل والحكمة وعدم الانجراف خلف الأصوات المنكرة والنشاز كما فعل اخواننا من عشائر الناصرية وكيف تصدوا إلى الفتنة بكل قوة وحزم.
حيث شهدت محافظة الناصرية مجزرة كبيرة والتي على اثرها استقال رئيس الوزراء عادل عبد المهدي فقد تشرفت أرض الناصرية باستقبال شباب أبهى وأزكى من الزهور ولكن في نفس الوقت وقفوا رجالهم وشيوخهم وقفة رجل واحدة أمام الأعداء ومن يحاولون زج الدماء والقتل وسط سلمية التظاهرات وأخرسوا أبواق الجيوش المعادية بوقفة مشرفة ستبقى الأجيال تتفاخر بها.
لنحذو جميعا هذا الطريق المشرف وتكون كل محافظة مسؤولة عن تنظيم تظاهراتها واستمرار سلميتها ونقف وقفة أهل الناصرية لكسر الاندساس والتخريب فأرض الوطن لنا ولن يفرقنا أي أحد فهنالك عدو شرس يقف أمام تقدم الوطن ويسعى ليكون حاجزاً أمام الخروج من هذه المرحلة العبودية الحالية إلى مرحلة جديدة يحددها الشعب نفسه، لن نخضع طالما اتفقنا على التغيير نحو الأفضل ولن نخضع أبدا وسنواجه تيار العدو بكل مالدينا من سلمية لنحرر راية العراق من الفساد والمفسدين ونجعل قوله سبحانه وتعالى نبراسا لطريقنا القادم: "ولاتكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ماجاءهم من البينات وأولئك لهم عذاب أليم". (ال عمران: 105)
اضافةتعليق
التعليقات