جالسة على كرسيها المفضل غائصة في أعماق الكتاب الذي تقرأه.. حتى تعكر صفو الأفكار بهرولة اخوها وهو ينزل من غرفته قاصداً الخروج من المنزل للإلتحاق بأصدقائه في فريق المنطقة لكرة القدم، مر بجانبها فقال ساخراً: اما يكفيك تعقدا وقراءة، أتركي الكتاب واهتمي بنفسك أستمتعي بالحياة، وكأنها لم تسمع، تجاوزت كلماته وعادت الى عالمها الذي تراه ممتعا.
اضاء هاتفها معلناً وجود رسالة جديدة عبر الايميل فتحته لترى محتواها فكان: (اهلا سارة، نود اعلامك انه قد تم قبولك في جامعتنا في قسم الهندسة المعماري، تفضلي بمراجعتنا غداً صباحاً لاكمال اوراق التسجيل) قفزت فرحاً متجهة نحو والديها لإسعادهم بهذا الخبر.. سُعدا كثيراً واحتضناها، ودعا لها بالتوفيق .
ذهبت سارة لغرفتها، استلقت على فراشها محاولة النوم سريعاً لتمر تلك الليلة وتذهب في الصباح الى مستقبلها الجديد، الجميل.. بعد محاولات كثيرة في عدم التفكير بأي شيء وجدت نفسها في دوامة تلك الليلة التي مر عليها ثلاث سنوات ..
تلك الليلة التي غيرت حياتها بعد ان قضت ايام بائسة، اخذتها ذاكرتها الى ذلك اليوم الذي استلمت فيه ورقة الدرجات مكتوب فيها بالأحمر (راسبة)، لم تستوعب الامر لمَ انا راسبة؟ في كل مرة افشل في الامتحانات الفصلية ولكني انجح في النهاية، لمَ هذه المرة اختلفت الموازين، كيف اخبر والدي بذلك؟ ماهو مصيري الدراسي هل سأكمل ام اترك السنين الماضية كلها واتخلى عن المدرسة؟.
تلك التساؤلات كانت تدور في عقلها وهي في طريق العودة الى البيت، لم تكن ردة فعل والديها بمستوى ضعيف من التحطيم الداخلي فقد قالا لها: ماالجديد يا سارة، انتِ لا تملكين من الذكاء شيئا ابداً! تعالت ضحكات اخوتها فازداد بكاءها، اخذت معها خيبتها، حزنها، ضياعها الى الغرفة وجسلت وحدها. هكذا هي لثلاث ايام تعاتب نفسها وحظها، توبخهما لتسببهما بفشلها .
كفت قليلا عن البكاء، امسكت هاتفها وهي لا تعلم ماذا تريد تصفحت مواقع التواصل الاجتماعي بلا هدف، قرأت عبارة: (إذا أخطأت في أمر وفشلت لا تبكي، بل أستجمع نفسك وانهض وتعلم من التجربة وامض قدماً وواصل!).
منذ تلك الليلة ولم تعد سارة كما كانت، نهضت بعزيمة، بإرادة، استبدلت الكسل بالنشاط، التشاؤم بالأمل، محاولة لتغيير الفشل الى نجاح .
اخذت تبحث وتدون خطوات للتغلب على الفشل فكان مما كتبت :
• الفشل: ليس وصمة عار يهرب منها الشخص، وهو ليس نهاية العالم، فلا يوجد شخص على وجه الأرض لم يمر بتجارب فاشلة، ولكن هناك من تحكم فيه الفشل وسيطر عليه فأصبح (فاشلا) حقاً، وهناك من حول الفشل إلى نجاح، فأشهر العلماء لم يحققوا ما وصلوا إليه من نجاح واكتشافات إلا بعد المرور بالمحاولات الفاشلة التي تجاوزوها بالإصرار والتفكير الإيجابي، فعلى سبيل المثال نجد توماس أديسون لم ينجح في اختراع المصباح الكهربائي إلا بعد 1800 محاولة فاشلة .
• يجب ألا يسند الانسان تجاربه الفاشلة إلى الظروف والحظ، ولكن يبحث جيدا في الاسباب المنطقية التي ادت الى الفشل، ويشحذ نفسه بإرادة وعزيمة لمقاومة الظروف التي يعتقد انها تقف امام تحقيق النجاح، ويبتعد عن الافكار السلبية .
• تذكر أهم ما في الفشل أنه معلم، يجعلك تتعلم العديد من الدروس، يقيك من السقوط في الخطأ نفسه في المرات القادمة، ويدفعك الفشل إلى إعادة تقييم خططك وبذل قصارى الجهد لإصلاح العيوب.
• يجب أن يكون الشخص مؤمنا بأن لديه قدرات خارقة اوجدها الله في داخله تقوده لتحقيق النجاح، مايحتاجه فقط هو تفعيل لتلك القدرات .
• ينبغي أيضاً على المرء الراغب بالنجاح أن يملأ قلبه بتقوى الله تعالى ومخافته، والابتعاد عن كل ما يُغضبه ويثير سخطه، فمن أعظم أسباب انقطاع الرزق وقلّة التوفيق كثرة الذنوب والمعاصي، وما النجاح الا نوع من انواع الرزق والتوفيق يقول الله تعالى في كتابه العزيز: "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ".
• في الختام تذكر ان ماتمر به الآن من فشل هو الخطوة الأولى نحو نجاح مستقبلي فانهض واعبر تلك الخطوة لتكون في الطريق نحو التألق .
يالها من ذكرى! مالي واستعادتها في هذا الوقت، قالت سارة مخاطبة نفسها. استسلمت للنوم بعد ان حمدت الله على كل حال .
ومع انسدال خيوط الشمس الذهبية الباعثة للأمل استيقظت سارة وهي مُبتسمة فها هو صباح يومها الذي حلمت به طويلاً، ذهبت الى الجامعة أكملت اوراق تسجيلها.. نظرت الى الاقسام وقالت لنفسها: مازال أمامي أربع سنوات لأثبت نجاحي وأكمل تفوقي .
في أثناء طريق عودتها الى البيت بفرح أخرجت هاتفها لتُغرد "لا تيأس.. فشل الامس طريق لنجاحك غداً".
اضافةتعليق
التعليقات