ماهو المقياس بين العمل الفني الجيد والعمل الفني الرديء؟، ومع اختلاف الأذواق من الذي يحدد ذلك؟، فإن معرفة هذه الأمور هي التي تطور الفنون بأنواعها المختلفة، وهذا التطور بطبيعة الحال شرط ضروري لتقدم المجتمعات والحضارات.
في الرسم والكتابة وصناعة الأفلام أو أي عمل فني آخر، من الأمور التي تحدد نجاحها وخلودها على مر الزمن هو كمية الجمال والابداع والعمل المبذول عليها، والمُنتج الجميل مع اختلاف نظرات الناس إليه أو حتى الزوايا ووجهات النظر التي تدور حوله، لا يختلف في الغالب الأغلب منهم على روعته، فهو جميل وإن اختلفت النسب والأسباب بينهم، وعلى حد قول الشاعر:
عباراتنا شتى وحسنك واحد وكل إلى ذاك الجمال يشير
حسناً، هذا مايقوله الرأي العام المنطقي والمتداول، وإذا تأملنا وضع الفنون في بلداننا في هذا العصر نراه متأخراً بشكل جليّ عن ركب بقية المجتمعات والدول، فهل ياترى هو قلة الابداع والموهبة لدى شبابنا، أم نظرة الغرب القاصرة لهم، والتي قد تكون تشكلت نتيجة تأخرنا في بقية المجالات بشكل عام؟.
إن أردنا الحقيقة فهي ليست كذلك، فأحد الأسباب المهمة في تردي وضع الفن لدينا هو قد يكون بسبب سؤال يردده الفنان مع نفسه قبل انتاجه لعمله وهو: ما الذي يريده الجمهور؟
وهذا السؤال مشروع بكل تأكيد، فأي مبدع يحب أن يكتب ويرسم ويصنع مايحبه الناس، إذن أين المشكلة؟
المشكلة في ذائقة الجمهور العامة أولاً، وقلة وجود النقّاد ثانياً، وثالثاً والأهم من كل ذلك هو أنّ الشيء الجميل والمبهر لا يخرج بقوة إذا لم يكن صاحبه قد شعر به وأحبه بصدق وليس كونه منتظرا لرأي أو مديح وتشجيع أو حتى لحاجة مادية أو معنوية.
إذا قرأنا التاريخ الفني العالمي سنجد الكثير من الفنانين قد عاشوا فقراء أولا ومُهمشين ثانيا، لكن بعد موتهم خَلدَّت أعمالهم المتاحف والمؤسسات ودور النشر وبيعت بالملايين التي مارأوها أصحابها، لقد كانوا بحق يرسمون ويكتبون لأنهم يشعرون أنَّ ذلك هو ملجأ ومتنفس وحب كبير لا تتحمل النفس حبسه في داخلها، وبالتالي كانت النتيجة ولو بعد حين عمل عظيم ومبهر.
أما الآن، فالكثير يهتم بتقديم مادة تعجب الجمهور، وما الذي يحب الأكثرية منهم سوى المظاهر والمبتذل والسهل!.
وهذه المشكلة عالمية وليست محلية، فصنّاع السينما مثلاً يفكرون بإسم الممثل ووجه البطلة قبل انتاج أي عمل، فالمتابعين في الغالب يتجهون نحو الأسماء المشهورة والجميلة.
ولكن مع ذلك، نجحت الكثير من الشركات في الجمع بين مايطلبه الجمهور والعمل الفني القوي الذي يشير إليه النقّاد بالبنان. وفي النهاية تلك قيمهم التي تعكس واقعهم بالحقيقة والتي تختلف عن قيمنا وعاداتنا.
أما أفلام العرب فبقت في مكانها راوح تعتمد على تدني ذوق أكثر الشباب والذين يحبون أعمال العنف وكل مايجعل من المرأة سلعة على حساب فكرها وشخصيتها.
وكذلك الكتب والروايات ترى على أغلفتها الطبعة الخامسة عشر، وفي حفلات التوقيع ترى طابورا ينافس تزاحم الناس عللى المخابز أيام الحروب، لشراء كتاب صاحبه مشهور أو يكتب بلغة بسيطة جدا بل أقرب إلى العاميّة أو بسبب وجهه الجميل أو حتى شبكة علاقاته التي روّجت له بذكاء.
نأتي هنا لسؤال مهم، ماهو تعريف الابداع؟ الاجابة هو أن نرى بعين جديدة.
وكما قلنا المبدع لا يقدم تحفته إلا بعد أن يتألم ويعاني ويحب بصدق، وبالتالي سيرى الآخرين ذلك الجمال لأنه لامس أرواحهم ومعاناتهم وأحلامهم وخيبة آمالهم.
والجهد المبذول والثقافة عامل مهم أيضاً في الفن الجميل وتطوره.
حقاً، الفن ذاكرة الشعوب ومرآة التاريخ، هو هوية ثقافية تعكس قيم المجتمع وتعبر القارات إن قُدم بذوق وشكل مُتقن وجميل. فرفقاً بذائقة تتدنى مع تدني العمل.
اضافةتعليق
التعليقات