لطالما ودعنا شهر رمضان عاماً بعد عام وجداً ودموعاً، يستعمرنا شعور الوحشة لفراقه كثيراً، والحزن لانتهائه مديداً...
هذا ونحن قد أعددنا الجديد...
ولم نغفل حلاوة العيد...
للضيف والقريب...
والقادم من بعيد...
أما سنتنا هذه فوحشتنا بفراقه ليس لها في الحساب مقارنة...
ولا في مامضى من الأعوام مشابهة...
مختلفة بل نادرة...
فقد حلّ علينا في حَجرٍ ثقيل..
ووحدة مؤلمة..
وظروف لم نعرف لها مثيل..
ومع ذلك أمتعنا أنساً وسروراً...
بالنسبة لي مجرد أن أعلم أنّي من ضيوف الله في الشهر الكريم...
فذلك أمرٌ يرتقي بمشاعري ويخفف عنّي كلّ وحدة...
يكفيني شهر رمضان أنيساً..
وقد أجد كلّ من في الدار من وجودات حيّة أو جامدة تحمل رائحة الشهر الكريم... وتتلوّن بلونه...
"هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله"
بعد قلائل... ننسلخ من تلك الضيافة التي لزمتنا ولزمناها على رحب وسعة..
أنسنا بها وأنستنا مانحن فيه من حجر وابتلاء..
فهذه لياليه تنسحب منا... تتصرّم وتطوي ساعاتها ساعة بعد ساعة...
لقد بدأنا في العدّ التنازلي... ساعة الصفر قادمة...
نودّع ... نفارق...
ونتلو ترانيم الختام...
"...فَنَحْنُ قَائِلُونَ السّلَامُ عَلَيْكَ يَا شَهْرَ اللّهِ الْأَكْبَرَ....
وَيَا عِيدَ أَوْلِيَائِهِ....
السّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَكْرَمَ مَصْحُوبٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ...
وَيَا خَيْرَ شَهْرٍ فِي الْأَيّامِ وَ السّاعَاتِ...
السّلَامُ عَلَيْكَ مِنْ شَهْرٍ قَرُبَتْ فِيهِ الْآمَالُ..
وَنُشِرَتْ فِيهِ الْأَعْمَالُ...
السّلَامُ عَلَيْكَ مِنْ قَرِينٍ جَلّ قَدْرُهُ مَوْجُوداً...
وَأَفْجَعَ فَقْدُهُ مَفْقُوداً...
وَمَرْجُوٍّ آلَمَ فِرَاقُهُ....
بدأ مَزق الفراق يجرّح قلوبنا وحشة وغصّة...
وصرنا إلى استقبال ليلة العيد
فدعوني أشرح لكم كيف كنّا في ليلة العيد لسنوات مضت؟؟
كان ياما كان...
في سالف السنوات والأزمان...
حينما كانت الدنيا بخير...
ولم يعشعش في العباد مايسمى بكورونا...
كانت ليلة تسمى ليلة العيد...
وماأروعها من ليلة...
كنا نستعد.. ونستعد... ونستعد...
بكلّ ألوان الاستعداد من فنون وأشكال وكلّ له مراسيمه في تلك الليلة...
وخصوصيته في الاستعداد..
ولأنّها ليلة يكثر فيها العتق من النار، فنزدادد فيها ذكراً وعبادة...
ودموعاً ووفادة..
ثم نتهيأ لصلاة العيد بعيْد شروق الشمس... ونستمتع بالتهليلات والتكبيرات من كلّ المآذن..
ونعقب بزيارة الحسين عليه السلام..
ثم لانبارح حتى نقرأ الندبة في لوعة وبكاء وماأبدعه من دعاء..
ونبكّر بفطور الصباح ذلك اليوم، وقد نأخذ من النوم إغماضة بسيطة تقوّينا، فلدينا برنامج حافل مع أحبتنا... نزور ونزار، نصافح بالأكف ونعايد بالأحضان.. ونهشّ في وجه الخاص والعام.. عيدكم مبارك... تخرج بهيجة من كلّ لسان...
ماذا لدينا هذا العام؟؟؟
فلا مصافحات ولا أحضان...
ولا نزور ولا نُزار.. كلّ ذلك صار في زمن كان...
ماالمطلوب؟؟
فلنلوّن عيدنا بلون خاص...
نذكره عاماً بعد عام...
فليكن عيدنا هذا العام مختلفاً...
كيف؟؟؟
لنعطي -دعاء الندبة- النصيب الأوفر من يوم فطرنا..
لطالما كنا نحاول أن نقارب غربة مولانا الحجة بن الحسن في غيبته الطويلة...
فلا نجد لدينا مؤهلات المقاربة...
فنحن نعيش التجمعات الأسرية والاجتماعات العائلية التي بلاشك تدخل على قلوبنا السعادة... وتزيل عنّا أيّ شعور بالغربة أو الوحدة بل ترفع عنّا الأكدار...
هذا العام سنعيش الوحدة بالتأكيد، ونتذوق مرّ الغربة ونحن في قعر بيوتنا..
كلّ في داره محجور وعن أحبابه مستور بل من أخوته وأقرب أرحامه محتجز..
فما أيسر المقاربة..
"بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ مُغَيَّبٍ لَمْ يَخْلُ مِنّا بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ نازِحٍ ما نَزَحَ عَنّا بِنَفْسِي أَنْتَ أُمْنِيَّةُ شائِقٍ يَتَمَنَّى مِنْ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ ذَكَرا فَحَنّا".
إمامنا كان ولايزال عنا مبعداً..
ينتظر منا تواصلاً حقيقياً، بصلاة، بدعاء، بزيارة، بندبة، بعمل يقرّبنا منه.... بمشاعر فياضة نطرق بها بابه..
أنّها ساعة زمان مستقطعة من يوم العيد ثم نهجره... قد نعاود أو لانعاود...
وهناك من لايتواصل معه أصلاً حيث تأخذه ملهيات العيد بعيداً..
فلايجد وقتاً إلى دعاء أو ندبة..
في هذا العام، كلّ مايزاحم العيد قد ولّى وأدبر، مراسيم، طقوس، اجتماعات، معايدات، عزائم، برامج ترفيهية، سفرات، لقاءات...
وبقي لنا فقط..
أصل العيد.... العودة ...
شعائره العبادية لكن...
سنؤديها فرادى ونستشعر الاجتماع القلبي..
فلتكن شعائراً حقيقية نؤديها بكلّ ماتستحقه من معايشة وتواصل مع ولي الأمر...
ندبتنا هذا العام مختلفة..
لنعدّ أنفسنا وأزواجنا، أبناءنا وبناتنا، أسرنا بكلّ أفرادها إلى معايشة دعاء الندبة بحيث يكون المحطة الأهم في برنامج العيد...
حيث يجتمع فيها الكبير والصغير عن بعد وعبر قنوات البث والاتصال حيث، نلتقي قلوباً ومشاعر عبر كلمات الدعاء وإن كنا نبتعد بالاجساد... بل لنتوقف مليّاً عند كلمات الدعاء ففيها كنوز من المعارف..
ليس لنا غير ندبة الامام والتوسل إليه لرفع مانحن فيه..
فهل نحن فاعلون؟؟؟
قد يعترض البعض
يقول:
وماعلاقة الصغار بالندبة
فأجيب..
لماذا لايعيش الصغار ندبة الامام؟؟
هل هي للكبار فقط!!!
حقيقة أنّ المنابر بالبث المباشر لم تقصر وأشبعت برنامج الشهر الكريم وستفعل كذلك يوم العيد...
المطلوب هو أن تتابع كلّ أسرة مجتمعة هذا البرنامج متابعة حقيقية...
وما أروع الطفل الصغير إذ يرفع كفيه في ندبة العيد... وقد اغرورقت عيناه بدموع الرجاء وأمل الفرج...
بهذه الأكف الصغيرة الضارعة نرجو من الله أن يغيّر سوء حالنا ويرفع عنا البلاء..
فياكلّ القلوب المؤمنة التي طالما نادت وندبت واستغاثت..
لاتفوتكن فرصة اللجوء إلى الله بالاطفال والصغار بالصبيان والبنات بالشيوخ والعجائز... في ندبة المولى الغائب...
فنحن جميعا بعينه..
فلنرفع الأكف ولنضج بالنجوى..
أشتاتاً بأجسادنا... لكن القلوب مجتمعة إلى بؤرة النور ومفتاح الفرج..
وَاجْعَلْ صَلاتَنا بِهِ مَقْبُولَةً... وَذُنُوبَنا بِهِ مَغْفُورَةً... وَدُعَاءَنَا بِهِ مُسْتَجاباً... وَاجْعَلْ أَرْزاقَنا بِهِ مَبْسُوطَةً وَهُمُومَنا بِهِ مَكْفِيَّةً... وَحَوائِجَنا بِهِ مَقْضِيَّةً..
وَأَقْبِلْ إِلَيْنا بِوَجْهِكَ الكَرِيمِ وَاقْبَلْ تَقَرُّبَنا إِلَيْكَ وَانْظُرْ إِلَيْنا نَظْرَةً رَحِيمَةً نَسْتَكْمِلُ بِها الكَرامَةَ عِنْدَكَ ثُمَّ لا تَصْرِفْها عَنّا بِجُودِكَ..
وَاسْقِنا مِنْ حَوضِ جَدِّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ بِكَأْسِهِ وَبِيَدِهِ رَيّاً رَوِيّاً هَنِيئاً سائِغاً لا ظَمأَ بَعْدَهُ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ...
اللهم إنّا لندبة وليّ أمرك راغبون.. فتقبلنا بأحسن القبول..
اضافةتعليق
التعليقات