إن التربية هي العملية الاجتماعية التي يتم بمقتضاها تنمية الشخصية الإنسانية من جميع جوانبها العقلية والنفسية والاجتماعية والجسمية، وذلك وفقا للمعايير الجماعية السائدة وقيمها واتجاهاتها والأدوار الاجتماعية المشكلة فيها وفقاً للغتها ومعانيها ورموزها والتربية لا تقتصر علي التعليم المدرسي، وإنما تبدأ مع الطفل منذ بداية حياته بالميلاد وتنتهي بتشييع المجتمع له إلى مثواه الأخير، وعلي ذلك فإن التربية لا تبدأ بالمدرسة وتنتهي بها وإنما تبدأ ببداية الحياة في أسرة وتنتهي بنهايتها في المجتمع وما المدرسة أو التعليم المدرسي بكافة مراحله ابتدائية وثانوية وعالية وبجميع أنواعه عام نظري وفني عملي وتكنولوجي إلا حلقة من الحلقات التي يتم فيها جزء من التربية وعلى ذلك أيضا فإن التربية عملية مستمرة تنشأ مع وجود الإنسان في الحياة وتستمر معه في هذه الحياة ويخضع لها في الأسرة وفي المدرسة وفي جميع التشكيلات الأخرى.
فعملية التربية كما تتصف بالاستمرار والتكامل المشار إليهما تتصف أيضا بأنها قسمة مشتركة بين التعليم المدرسي وغير المدرسي فهي تتم في أماكن عديدة منها المنزل والمدرسة وجماعة الأقران في الشارع والملعب وفي دور العبادة وتحت تأثير الصحافة والإذاعة والثقافة الوطنية كما أنها تتم في أزمان مختلفة وتحت تأثير قوى متعددة يكون في بعضها الأب معلماً وفي بعضها الآخر يكون المدرس معلماً والثالث يكون رجل الدين معلماً والرابع يكون القرين معلماً وهكذا..
وهي تتم حيثما وجدت عناصرها من معلم ومتعلم وموقف تعليمي وتفاعل مع هذا الموقف واكتساب للحلول التي مورست في مواجهة المشكلات المختلفة في هذا الموقف.
هذه المؤسسات تعرف "بمؤسسات التنشئة الاجتماعية" أو "وكالات التنشئة الاجتماعية" باعتبار أنها موكلة من قبل المجتمع بالقيام بعملية التنشئة ويطلق عليها الأسرة والمدرسة وجماعة الرفاق أو الأقران ووسائل الإعلام من أهم هذه المؤسسات في التنشئة الاجتماعية.
أولاً- الأسرة:
تعتبر الأسرة الأصل الذي نشأ عنه جميع المؤسسات الاجتماعية الأخرى فهي أسبق المؤسسات ظهورا بل إنها أسبق من المجتمع نفسه وكانت الأسرة قديماً تقوم بكل الوظائف الاجتماعية وتطوير الحياة في المجتمعات وتعقدها أنشئت مؤسسات اجتماعية أخرى وبدأت تنتقل بعض وظائف الأسرة إلى هذه المؤسسات لتقوم بها.
الأسرة بطبيعتها اتحاد تلقائي تؤدي إليه الاستعدادات والقدرات الكامنة في الطبيعة البشرية التي تتجه بفطرتها إلى التواجد والعيش مع الآخرين من بني الإنسان ولا يطيق الفرد منا أن يعيش منفرداً إلا لفترة قصيرة، والأسرة بأوضاعها ومراسيمها عبارة عن نظام اجتماعي تربوي ينبعث عن ظروف الحياة والطبيعة التلقائية للنظم والأوضاع الاجتماعية وهي ضرورة حتمية لبقاء الجنس البشري ودوام الوجود الاجتماعي وقد أودع الله سبحانه وتعالي في الإنسان هذه الضرورة بصفة فطرية ويتحقق ذلك بفضل اجتماع كائنين لا غنى لأحد عن الآخر وهما الرجل والمرآة قال عز وجل:"ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها ."
تحمل الأسرة مسؤولية باعتبارها أول مجال تربوي يتواجد فيه الطفل ويتفاعل معه ففيها ينال الفرد مقومات نموه العقلي والجسمي والصحي ومنها يستقي عاداته وتقاليده وقيمه ويتعلم التعاون والتضحية والوفاء والصدق والعطف علي الآخرين واحترامهم وتحمل المسئولية وإشباع حاجاته الأساسية كما تبدأ منها أول خطوات الطفل للاتصال بالعالم المحيط به وتكوين الخبرات التي تعينه علي التفاعل مع بيئته المادية والاجتماعية ومن ثم فالطفل يذهب إلى المدرسة ومعه البيت بخبراته ومؤثراته .
بوجه عام فالأسرة تتعهد بالتشكيل والتطبيع الاجتماعي فهي محيط تربوي بالدرجة الأولى يتم فيها إكسابه اللغة والقيم ومعايير السلوك وضبطه ويكتسب بها أساليب التعامل الاجتماعية .
ثانياً- المدرسة:
تعتبر المدرسة هي المؤسسة الاجتماعية الرسمية التي تقوم بوظيفة التربية ونقل الثقافة المتطورة وتوفير الظروف المناسبة للنمو جسمياً وعقلياً واجتماعياً وانفعالياً وأنها المؤسسة التي بناها المجتمع من أجل تحقيق أهدافه وعندما يبدأ الطفل تعليمه في الأسرة يكون قد قطع شوطا لا بأس به في التنشئة الاجتماعية في الأسرة وبالتالي يدخل المدرسة وهو مزود بالكثير من المعايير الاجتماعية والقيم والاتجاهات وما تقوم به المدرسة هو توسيع الدائرة الاجتماعية للطفل حيث يلتقي بمجموعة من الرفاق وكذلك يتعلم الطفل الكثير من المعايير الاجتماعية بشكل منظم كما يتعاون أواطر اجتماعية جدية كأن يتعلم الحقوق والواجبات وضبط الانفعالات والتوفيق بين الحاجات الخاصة به وحاجات الآخرين وكذلك يتعلم التعاون والانضباط السلوكي وفي المدرسة يتأثر التلميذ بالمنهج الدراسي بمعناه الواسع علما وثقافة وتنمو شخصيته من كافة جوانبها.
أهمية التفاعل بين البيت والمدرسة:
إن التفاعل بين البيت والمدرسة ضرورة ملحة تطلبها مصلحة الأطفال باعتبار أن البيت والمدرسة هما المسؤولين عن تربية وتنشئة الأطفال وأن دور كل منهم يكمل الآخر ومن العوامل التي تتحكم في أهمية التفاعل ما يلي:
- أعداد التلاميذ في الصفوف قد يقلل من فرصة أو التلميذ في الحصة الدراسية مما يستدعي تقوية هذا التفاعل بينهما.
- تثبيت المهارات التعليمية التي يتعلمها الأطفال في المدرسة فإن ذلك يحتاج إلى المتابعة بين البيت والمدرسة .
- لمنع حدوث التغيب أو التسرب عند الأطفال لابد من استمرارية الإشراف على الأطفال من قبل البيت والمدرسة .
- المشكلات الأسرية تؤثر بشكل كبير علي تحصيل التلاميذ الدراسي مما يؤدي إلى ضرورة التعاون بين البيت والمدرسة.
على من أهمية الأسرة كحاضن يستقبل الطفل منذ مولده ويعتني به كل العناية فإنه في مرحلة متقدمة من حياته ينطلق ليستكشف العالم الخارجي من حوله ويزداد اهتمامه تباعا بالحياة الاجتماعية خارج مجال الأسرة حيث يلتقي بجماعات اللعب التي تعتبر أولى الجماعات التي يرتبط بها الطفل في حياته المبكرة مشاركا زملاءه في الخبرة العامة للعب مع الالتزام بصفة خاصة بمجموعة القواعد العامة والخضوع للقيود التي يفرضها نشاط هذه الجماعة على الفرد وتطلق على هذه الجماعة إطلاقات متعددة منها جماعة الأقران، وجماعة اللعب، وجماعة الأصدقاء والشلة غير أن هذه الإطلاقات المتعددة تكاد تشير إلى شيء واحد هو تلك الجماعة التي يلجأ إليها الفرد خارج إطار أسرته وتشكل هذه الجماعة أحد الأوساط الاجتماعية التربوية الرئيسية التي تؤثر في الفرد على مختلف المستويات الشخصية والاجتماعية والعقلية والأكاديمية وتمثل دراستها محور لاهتمام عالم النفس والمربي وعالم الاجتماع حيث تلتقي أهدافهم حول فهم الكيفية التي يعمل بها الأقران كوسيط من وسائط التربية والتنشئة الاجتماعية أو كعامل من عوامل التأثير في شخصية الناشيء من جهة وكناقل لثقافة المجتمع وعامل من عوامل التغيير فيها من جهة أخرى .
اضافةتعليق
التعليقات