قد نجد في جو الأسرة ما لا نجده في غيره من المؤثرات العميقة التي تشارك في البناء الروحي والعاطفي للطفل. فإن التربية أو الرعاية لا تعتبر في هذا الجو وظيفة يمارسها الأبوان بروحية المهنة، بل تعتبر رسالة يحملانها من خلال المشاعر الداخلية المشبعة بالعاطفة والحنان وبذلك يعيش الطفل في تغذية عاطفية ممزوجة بروح الأبوة والأمومة مما يجعله في حالة إشباع عاطفي مستمر وشعور عميق بالالتصاق بمنابع الحياة التي تمده بالشعور الدائم بالأمن والطمأنينة والقوة بعيداً عن كل الحالات التي توحي بالفراغ واليأس والضياع.
ولعل من بديهيات الأمور أن الرعاية كلما توفرت للطفل بشكل مباشر، كلما كانت العناية أكثر والإحساس بالتجاوب أعمق، فإن هناك فرقاً واضحاً بين أن يحصل الإنسان على الرعاية والعناية بشكل خاص، وبين أن يحصل عليها في ضمن مجموعة كبيرة، فقد نجد في المشاعر والنتائج التي تتركها الرعاية الخاصة، الغنى الكبير الذي لا نجده في الحالة الشاملة التي يتحول فيها الإنسان إلى رقم من الأرقام الكثيرة في قائمة المسؤولية العامة.
وبكلمة واحدة: إن قيمة الأسرة هي في هذا الجو الذي تتيحه للطفل في الارتواء العاطفي الذي يوحي له بالمحبة والحنان والامتلاء ويجعله موضع الاهتمام والرعاية المباشرة من الأبوين مما لا تتيحه له المحاضن الكبيرة التي تتحول الحاضنات فيها إلى موظفات يمارسن المهمة بعقلية المهنة، لا بروحية الرسالة مما يفسح المجال للمزيد من الجفاف الروحي والإهمال التربوي. فالعاطفة والعقل الخلطة السحرية لبناء الجيل القوي.
أيتها الأخت الكريمة:
التفتي جيداً لسلوكياتكِ وتعاملاتكِ مع أبناءك، فقد ترتكبين بعض الأخطاء دون التفات منكِ بسبب ضبابية العاطفة وغلبة المشاعر الحانية التي تمتلكينها اتجاههم. فقد تحولين من أبناءك إلى أعداء لك ولمنهجك، فأي خلل أو زيادة في عاطفتك ستحرف اتجاه مسارك ومسار خططك التربوية وستكون النتيجة خلاف ما تأملين وتتمنين، ومن أجل تقويمهم سلوكياً ليكونوا أقوياء ومن أجل بنائهم البناء السليم تلافي هذه الأخطاء وأجمعي بين العقل والعاطفة لتكوني الأم الرابحة التي استطاعت أن توصل أبناءها إلى شاطئ الأمان.
أولادنا أكبادنا
إن لهذه الكلمة صداها وأثرها في نفوسنا ومجتمعنا، وأنها لنزعة عاطفية تملأ القلب والروح بالحب والتضحية وتحدوه لتحمل أعباءها وتبعاتها، وكلما استأصلت المودة والحب ازدادت وعظمت المسؤولية في التحمل، والحفاظ، كما أن العاطفة الفياضة لو تركت وشأنها تخطأ في بعض الميادين، ولتلافي هذه الأخطاء لابد من مزج العقل بالعاطفة ليمحص العقل العاطفة ولترفق العاطفة العقل، وفائدة ذلك تظهر عندما يواجه الأب أو الأم أمراً وهم يعلمون أن في الأمر شيء، ولكنهم يتسامحون فيه عاطفياً لرغبات أبنائهم وإن كانت غير صحيحة ولا يرضاها المجتمع ولا الأخلاق الفاضلة.
وهذا مما يسيء إلى الأبناء وإن تمتعوا به وقتئذ وإلى الآباء والأمهات أنفسهم وإن كان على المدى البعيد، وهنا لو أن حصل المزيج المركب بين العقل والعاطفة لما انغمروا بالعاطفة ولا سابت الأبناء في ميادين شتى.
وعلى هذا لابد أن تحفظ الأكباد الأولاد كما يحفظ القلب في الصدور وبأمان من كل سوء يعتديه، وليس معنى هذا تكبيل الأبناء بالسلاسل والقيود والأقناص كالطير الجميل في قفصه، ولكن علم الطير أن يطير ويغرد ثم يعود إلى وكره، وسلح الأبناء بالعلم والعمل والأخلاق الحسنة ولا تخش التلف والفوات.
اضافةتعليق
التعليقات