أقامت جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية دورة تربوية ثقافية في تنشئة الطفل، قدمتها متخصصة علم النفس الأستاذة فاطمة مرتضى معاش لجمع من الأمهات المهتمات بهذا الشأن، بتاريخ 24-10-2020 المصادف 6 ربيع الأول 1442 بمعدل ساعتين لأربعة أيام غير متتالية في مقر الجمعية الكائن في كربلاء المقدسة.
حيث قدمت معاش للدورة قائلة: الأطفال أمانات من الله أتو إلى هذه الحياة عن طريقنا ليؤدوا وظيفتهم الانسانية ويعيشوا في هذه الحياة بطريقة جيدة. إنه أمر مهم جدا أن نعلم بأنهم ليسوا ضيوف علينا كي نقوم بضيافتهم دائما، ونقدم لهم ما لذ وطاب، كما أنهم ليسوا كائنات أليفة كي نعاملهم بالطريقة التي تناسبنا، وليسوا حتى مساعدين شخصيين كي نستفاد من خدماتهم ونستغلهم في العمل!
إنهم مسافرون صغار.
ولكن لماذا أتوا هؤلاء المسافرون الصغار إلى هذه الحياة؟
إن الله تعالى وهبنا الأطفال أمانة بأيدينا، حتى نربيهم ونعتني بهم ونجهزهم للحياة في هذه الدنيا، ليكونوا مستعدين للسیر نحو الکمال وللعيش بطريقة جيدة، وقادرين على تحمل المسؤولية، وتكوين الأسرة.
إذا كنتم مثلي تؤمنون بأن طفلكم هو مسافر صغير قادم من الجنة، وإنكم وفقا لتلك الأهداف الإلهية رزقتم به، إذن كونوا معي حتى نتعلم معا مفاهيم التربية الصحيحة.
ثم شرعتْ بالتفصيل ذاكرة: يقول الامام علي (عليه السلام) في وصيته للإمام الحسن (عليه السلام): (وجَدْتُكَ بَعْضِي بَلْ وَجَدْتُكَ كُلِّي حَتَّى كَأَنَّ شَيْئاً لَوْ أَصَابَكَ أَصَابَنِي وَكَأَنَّ الْمَوْتَ لَوْ أَتَاكَ أَتَانِي فَعَنَانِي مِنْ أَمْرِكَ مَا يَعْنِينِي مِنْ أَمْرِ نَفْسِي).
بعض الأمهات التي تفقد ولدها تشعر بهذا الشعور، بأن جزءا منها قد غادر فنراها تبدو غير طبيعية، إلى نهاية عمرها تذكره، ما هو برنامجنا لصقل هذه الجوهرة؟ لنفرض هناك وصفة لطبخة ما أعطوها لكم مع كافة موادها، ما هو أول ما تفعلوه في هذه الحالة؟ يجب أن نبحث عن طريقة العمل أليس كذلك؟ بعد ذلك لو أطفىء الضوء تماما والمواد أمامك ماذا تفعلين؟ تحتاجين بطبيعة الحال إلى الإضاءة أولا ثم الوصفة لكي تبدئي العمل.
تربية الطفل أصعب بكثير من ذلك، فلو فرضنا هناك عرس في مكان ما نجد أن الجميع يقف على أبهة الاستعداد من الطرفين والانشغال بالتفاصيل الصغيرة، لكن هل يفكر أحدهم كيف ستعيش هذه الفتاة مع زوجها، وفترة الحمل أيضا يزيد الاهتمام بجهازه وتفاصيله الصغيرة، ولكن هل فكر أحدهم بكيفية تربيته والتعامل مع نفسيته وفنون تربيته؟.
الشعور بالأمان أهم الاحتياجات
ثم شاركت الحضور بسؤالهم: ما هي أهم احتياجات الانسان؟ فتنوعتْ الاجابات بين الحاجات الجسمية والنفسية وغيرها.
بعد ذلك صرّحتْ: أهم حاجة عند الانسان حسب رأي العلماء الشعور بالأمان، الايمان والأمان والمؤمنون وغيرها من الاشتقاقات كلها تندرج ضمن مفهوم عدم الخوف، وإذا تخيلنا ذهن الانسان تستطيع أن نشبهه بالجبل ثلثه ما نراه وثلثيه تحت الأرض، وهذا يمثل اللاوعي عند الانسان حيث الجزء القليل هو الوعي والأكثر هو اللاوعي وله تأثير كبير في حياة الفرد، وإن الله سبحانه وتعالى خلق الطفل ومعه خريطة جاهزة يحملها معه ويبقى على الأبوين أن يجعلوا الطفل يشعر بالأمان والطمأنينة ومع توجيه بسيط منهم يستطيع أن يمشي الطفل وفق هذه الخريطة، وإذا لم یشعر الطفل بالأمان فسیصنع لنفسه حصارا وتتولد لديه مشاكل كالعناد والضرب عند الأطفال والتبول الليلي، ولا سمح الله إذا أصبح هذا الشعور أقوی فسیتبدل الحصار إلی قلعة كبعض حالات من التوحد والاضطرابات القوية.
ويؤثر الشعور بعدم الأمان بصورة مباشرة على التعلم، فالذهن في حالة الاضطراب والقلق لا يستطيع التعلم.
ثم تطرقت إلى عوامل ايجاد الشعور بالأمان عند الأطفال منها: المحبة من دون قید وشرط من خلال التلامس الجسدي والتواصل الكلامي، وتخصیص الوقت النوعي، وإن إیجاد نظام ونمط في حیاة الطفل يجعل الأم تتنبأ بما سیحدث وبما سیعمل حيث يؤدي ذلك إلى شعور الطفل بالأمان.
أما في عوامل عدم الشعور بالأمان عند الأطفال فوضحتْ: إنَّ الاساءة بمختلف أنواعها تشعر الطفل بعدم الأمان: الاساءة الجسمية والجنسیة والنفسیة، ففي كلِّ خمس دقائق يموتُ طفلٌ نتيجة العنف، وهذا عدد مخيف.
الإساءة النفسية
ثم فصلتْ في الإساءة النفسية مبينة أضرار الضرب فقالتْ: كل أشكال الضرب التأديبي للأطفال لها عواقب سلبية جسدية ونفسية کبیرة جدا ولم يثبت علميا بالأبحاث المسندة أي فائدة لها بتعديل سلوك الأطفال أو تربيتهم.
وقد ثبت بأحد الأبحاث المسندة أن الصفع على وجه الأطفال بعمر أقل من خمس سنوات يعد من أشكال “متلازمة الطفل المرتج” وما يرافقها من إصابات في الدماغ وأغشيته وعواقب عصبية مباشرة أو غير مباشرة وأهمها ظهور الإعاقات العصبية بعد أشهر أو سنوات على شكل إعاقات سمعية وبصرية وصعوبات بالتعلم.
إن العواقب المباشرة عند التعرض للإيذاء الجسدي، تشمل عزلة الطفل والخوف وفقدان القدرة على الثقة بالآخرين، وهذا يؤدي إلى عواقب نفسية مدى الحياة والتي تشمل الاكتئاب وتدني احترام الذات والفشل في العلاقات الأسرية والمهنية ومع الأصدقاء.
والضرب التأديبي المتكرر مرتبط لاحقا بالمعاناة من اضطرابات الشخصية والقلق، والاضطرابات العاطفية، وكبح التطور العاطفي الطبيعي، وانخفاض التحصيل الدراسي.
كما كشفت دراسة أن الآباء يمارسون العنف البسيط نحو أبناءهم بنسبة 77 %والعنف الشديد بنسبة 8 %ويقصد بالعنف البسيط الدفع والانتزاع والصفع على الوجه، أما ما يتعلق بالعنف الشديد فيعني الرفس والعض، وضرب الطفل بأداة حادة أو محاولة ضربه، أو حرقه.
وهناك إحصائية أن 7 أطفال من بين كل 10 في الفئة العمرية ما بين 2 و14 سنة يتعرضون لأحد أنواع العقاب البدني في المنزل من والديهم أو أحد أفراد أسرتهم، وأيضا الصیاح فيتعرض 9 من أصل 10 أطفال في الأردن للتوبيخ اللفظي في المنزل مثل الشتم والصراخ.
فمن جملة الإساءة النفسية التهدید: قول شيء حیث لا یمكن تنفیذه السب والشتم ووضع ملصقات اسمیة: كأنت غبي، وأنت أحمق.
وكذلك اللوم والتحقیر: كأنت لا تعرف شیئا، وأنت لا تفهم، وأنت لا تصلح لشيء، والمقارنة مع الآخرین: كقولكِ أنظر إلی أختك کیف تجتهد بالدرس هذه الأمور تحدث أثرا وعلامة في الذهن مشابهة لأثر الصفع.
فضلا عن التعارض بين الأبوين فالعلاقة الناجحة بین الأب والأم هي أکبر هدیة وضمان نفسي لمستقبل الطفل.
أنماط الأبوة والأمومة
في اليوم الثاني عددتْ معاش أساليب التربية للأطفال أو (أنماط الأبوة والأمومة) والتي منها الأسلوب الاستبدادي، والذي نتاجه أولاد مضطربین وضعف تقدیر الذات عندهم، ويكونون أقل مستوی اجتماعیا وتعلیمیا من النمط الواثق، أما الأسلوب المتساهل، وأضراره لا یستطیع الطفل التحكم بانفعالاته، یواجه المشاکل في التواصل مع الآخرین وليسوا صبورين لا یستطیعون الالتزام بالقوانین، ثم أسلوب الاهمال أو غير المشارك، ومن سلبياته يكون الطفل یتعلم أن مشاعره غیر صحیحة، ويقل تقديره لذاته، فضلا عن مشاکل سلوکیة، وأما الأسلوب الداعم والواثق هو الأسلوب الصحيح للتربية ويكون نتاج هذا الأسلوب هو النمو الاجتماعي الإیجابي، والأولاد ذو طاقة وحنان ویحبون أن یتطوروا نحو الأحسن، فضلا عن أنهم نشیطین ومستقلین ومحبین للتطور والتعلیم.
ثم انتقلتْ إلى قوانين لسلامـة الأسلوب في التربية: قانون رعاية الأمان والطمأنينة، فصل السلوك عن الشخصية، وصف السلوك الايجابي بدلا من التقييم السلبي، قانون التوعية، قانون الاستقلال، قانون فهم المشاعر، قانون حفظ الاقتدار.
تعزيز السلوك الايجابي
وفي اليوم الثالث أشارتْ معاش إلى أسالیب تعزیز السلوك الایجابي والذي ينبثق منه التعامل الایجابي ونمذجة الوالدین، التحسین وجلب الانتباه الایجابي، وضع المكآفأة وكذلك أسلوب الجدّة، طریقة المزاح والضحك وتغییر الصوت واللعب، ومن الضروري انتخاب سلوکا محددا والاشتغال علیه، وبعد تعزيزه يتم الانتقال إلى السلوك الذي بعده، ففي بعض الأحیان يكون السلوك المنتخب مركبا من عدة سلوكيات مثلا: ترتیب الغرفة، الذي یترکب من عدة سلوكيات، تجمیع الملابس وجمع الألعاب وترتیب السریر وغيرها، فمن المهم أن يكون السلوك المنتخب أن یكون بسیطا وقابلا لفهم الطفل مثلا: في کل مرة نذهب إلی بیت جدك یجب أن تسلم علی الجد والجدة وتقبل یدهم.
تقليل السلوك السلبي
وفي اليوم الرابع نوهت إلى أن هناك قوانيناً يمكن اعتمادها للتقليل من السلوك السلبي وهي: اعطاء الأوامر بصورة صحیحة.
فإذا تعلم الوالدان اعطاء الأوامر لأطفالهم بصورة صحیحة سیقلل ذلك من نسبة عصیانهم،
فالكثیر من السلوکيات السیئة ترجع إلی عدم وضع قوانین محددة في العائلة، التجاهل (ignore) وهذا الأسلوب یعني عدم الانتباه بصورة کاملة بالنسبة إلی عمل الطفل بدون أي رد فعل ویستعمل في السلوکیات التی لا تنتهك قانون البیت أو لا تضیع حقوق أحد، العقاب یجب استخدام العقاب لكي یتعلم الأطفال أن یواجهوا النتائج غیر المطلوبة وغیر السارة المترتبة علی أفعالهم ویتعلم أن یتحمل مسؤولیة أفعاله، والاستعادة أو الحرمان وتعتبر هذه الطریقة نوعا من الغرامة السلوکیة علی الفعل السيء في هذه الطریقة نحرم الطفل من نشاط أو فعل أي شيء یحبه، فضلا عن الحرمان الزمني أو الوقت المستقطع (time out) والذي یستخدم عندما یرتكب الطفل أعمالا عنیفة أو اندفاعیة أو خطرة بحیث الحرمان لا یعطي النتیجة المطلوبة فیه، وختماما الهجر وعدم التكلم مع الطفل لیعرف الطفل حزن والدیه من عمله السيء وليكن استخدام هذا الأسلوب بحذر وعدم الاكثار منه.
وفي ختام الدورة وجهت رسالتها للحاضرات قائلة: إذا مشيتِ بالدرب الصحيح واستعملتِ الأسلوب المناسب وطبقتِ کل ما تطرقنا له، ولكن یبقی علیكِ أن تتوکلي علی الله وأن تدعي وتطلبي منه أن یجعلك أما صالحة وأن یوفقك لتربیة أولادكِ تربیة مسددة، قال الامام السجاد (علیه السلام): «وَأَعِنِّي عَلَى تَرْبِيَتِهِمْ وَتَأْدِيبِهِمْ، وَبِرِّهِمْ»، ولا تنسي التوسل بأهل البیت (علیهم السلام) لتوفیقك لتربیة أولادكِ صالحین.
قال أمیر المؤمنین (علیه السلام): «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه واله) أَدَّبَهُ اللَّهُ وَهُوَ أَدَّبَنِي وَأَنَا أُؤَدِّبُ الْمُؤْمِنِين».
وتضمتْ الدورة مجموعة من الأنشطة العملية والتجارب الشخصية للحاضرات، فضلا عن تبادل الرؤى، وفي ختام الدورة كانت هذه آراء بعض الحاضرات واعجابهن بالدورة:
- كانت الدورة شاملة للنقاط الأساسية وبالدليل القرآني والأحاديث الشريفة وأقوال أمير المؤمنين (عليه السلام).
- وجدت توازنا بين عمل المدربة وأقوالها، الطمأنينة وصفاءها الروحي من نقاط قوة الأستاذة والتأثير على الآخرين.
- تعلمت الكثير من الأساليب الصحيحة وكيفية التعامل مع الأطفال ومن ناحية توفير الأمان لهم أكثر والحزم معهم وحتى كيفية استعمال المكافأة والجدول والعقاب كما عرفت لماذا كان ابني لا يستجيب لي في بعض الأمور.
كما أنهن طلبن مجموعة من الدورات التي تخص الرضع والمراهقين والثقافة الزوجية.
والجدير بالذكر أن جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية تسعى لتطوير المجتمع بصورة عامة والمرأة بصورة خاصة، وتمكينها معنويا لأنها اللبنة الأساسية التي يستند عليها المجتمع، ويستمد طاقته الثقافية.
اضافةتعليق
التعليقات