مراحل نمو الإنسان مختلفة وكل مرحلة لها أهمية، وتبقى فترة المراهقة من أهم هذه المراحل وأخطرها، كما يخبرنا اهل العلم والدارسون كونها مرحلة انتقال الشخص من مرحلة الطفولة والبراءة واللهو وعدم المسئولية إلى مرحلة النضوج والتغيير في الفكر والنفس والاحساس بالمسئولية فيصبح الشخص مضطرب وغير مسئول عن تصرفاته وذلك بتغير الهرمونات، ويميل إلى العصبية والتشنج بالحديث، وربما يميل للانحراف أو التصرفات السيئة والوحدة والانطوائية أيضا من ضمن الخيارات.
ويكون خائف وخجول من التغييرات الجسدية التي تطرأ عليه، لذا تعد فترة حساسة جدا ومتعبة أيضا، تحتاج الصبر والتحمل والمتابعة الواعية من قبل الاهل بشكل واعي وتطبيق تعاليم التربية الدينية الحق والصحيحة، والمعاملة الطيبة والابتعاد عن العنف والتهجم والكلام السيئ الذي يخدش مشاعرهم لمواجهة عنادهم وأخطائهم.
الطفل المراهق تجتاحه مشاعر وأحاسيس متدفقة ومتقلبة ويتمتع بطفولية متعمدة تارة ولأرادية تارة أخرى!، يعرف هذا خطأ ويلجأ اليه ليثبت شخصيته لينتقل لمرحلة واضحة ويفصل نفسه عن الطفولة لكي يستقل، أغلب الاباء يستخدمون الضرب بهذه المرحلة دون مراعاة الفرق بين الانضباط والحرية والاعتدال بينهم.
قرأت ذات يوم قصة للكاتب اليمني (صلاح طاهر الطوعري) وصف بها ما يقوم به اغلب الاباء في المجتمعات العربية لكبح تمرد وعناد اولادهم تقول القصة (في جنح الليل، فتح الباب بأيدي مرتجفة، دخل للمنزل خلسة، زحف نحو غرفته بهدوء كي لا يلاحظه أحد، فجأة ارتطم رأسه بجسم غريب! حاول زحزحته عن طريقه، ولكنه لم يتزحزح من مكانه، تلمسّه بيديه إذ بها أرجل إنسان واقفة أمامه بثبات، تعوّذ من الشيطان، تلمّسها مرة أخرى بيديه متمنياً أن يكون مخطئاً في تشخيصه، فكانت النتيجة كسابقتها، ابتلع ريقه، جسمه كان يرتعش خوفاً، أغمض عينه، تمتم بصوت خفيض: - الجن في منزلنا! فجأة... إذ بصاحب تلك الأرجل يبرحه ضرباً بالسوط، صرخ متألماً، فتح عينه كارهاً من هول تلك الضربات، فجأة... اطمئن قلبه، استسلم للأمر طواعية، كون تلك الضربات المتتالية لم تكن من الجن بل كانت من، أبيه الذي كان ينتظر قدومه بفارغ الصبر، رجع لوضعيته السابقة، الصمت كان جوابه الوحيد لأنه ألِف تلك الضربات التي أصبحت روتيناً يومياً في حياته، وبعدها بلحظات... شعر الأب بالتعب، توقف عن الضرب، أردف غاضباً: ألم تتعب من الضرب المتكرر بعد؟! ليس هناك شخص في عمرك المراهق يرجع الى منزله في ساعة متأخرة من الليل!.
- وأخيراً قمت بنطقها! نعم انا مراهق! أنا مراهق...
- وهل هذا صك غفران لتبرير تمردك الزائد عن حده؟!
- أبي، المسألة ليست معقدة كما تظن، أنت لك حرية الضرب! و... أنا لي حرية التمرد!
- ماذا؟ هل أنت بعقلك يا فتى؟!
- أبي، لا تكن أنانياً هكذا! مثلما تتلذذ بضربي، دعني أنا أيضاً أتلذذ بتمردي وسأستقبل ضربك لي بصدر رحب!
- وهل تظن ان ضربِي لك تلذذ؟!
- إذاً فلمَ تقوم بضربي دائماً؟!
- أضربك لكي لا تكرر أخطاءك!
- وهل نجحت في ذلك؟!
صمت الأب، قائلاً في نفسه: كلا لم أنجح بذلك... ولكنني إن أجبته بذلك... سأخسر كبريائي أمامه، وسيزداد هو تمرداً! أردف له قائلاً: المسألة ليست مسألة نجاح أو إخفاق... فالضرب هو استمرارية للتأديب، ومن دونه لن تعلم خطأك من صوابك، ولن يكون هناك رادع لتصرفاتك الخاطئة!
أحنى رأسه وتمتم: لا فائدة، لا فائدة... نظر اليه الأب بنظرة المنتصر وأردف: إن كانت هناك طريقة أخرى، فقل؟!
- بلى هناك... ضمني الى ذراعيك برأفة، واسألني عن مشاكلي برفق دون عنف، وناقشني بالتي هي أحسن لأكون لك ولداً صالحاً تفتخر به أمام الناس).
رغم تصرفات المراهق السيئة إلا إنه يميل للصحيح بسهولة ويكون مستمع جيد ويشعر بالخوف من وقوع اخطاء، ولاسيما يحتاج التعامل بالفهم بالمحبة والمرونة والصبر، والثقة والمديح باستمرار وتشجيعه للعمل المفيد، هذا من يقوم سلوكياته ويقربه من الأهل بدل النفور والانطواء والعزلة أو الاستعانة بأصدقائه لربما يجرفونه إلى سكك محرمة ووعرة من الصعب إنقاذه وتغيير مساره.
اضافةتعليق
التعليقات