فعل مبيّت بليل.. وتخطيط اجرامي قد اغتال الكلمة وأسكت الحنجرة، هم بالأمس فعلوها مع طاقات وكفاءات من أبناء هذا الشعب المستباح، واليوم كرّروا عملهم مع الروائي والأديب علاء مشذوب، أخذوه غيلة وهو في طريق عودته الى بيته وامام باب منزله، هم قدروا على اسكات حنجرة ولكن هل سيقدرون على اسكات كل الحناجر؟.
إننا اليوم في خطر داهم والجميع مرشح للتصفيات إذا بقيت العقلية التصفوية _ إن صح التعبير _ هي التي تصول وتجول في الميدان ، هذا هو لسان حال جميع المبدعين والكتّاب ممن أثروا الساحة الادبية بعطاءاتهم ونتاجاتهم والتي يشهد لها البعيد قبل القريب بالتميز والرصانة.
هب أنكم اختلفتم مع فكر معين بحد ذاته، فهل العلاج برأيكم أن تنفوا صاحبه من الأرض قتلا وتصفية واغتيالا؟!
لم أطلّع شخصيا على روايات هذا الأديب المغدور، قد أتفق مع ما يطرحه وقد اختلف، ليس هذا هو المهم، فتطابق الأفكار تكاد تكون مستحيلة في واقع الحياة، والاختلاف سنّة جارية لهذا خلق الله سبحانه الخلق، فهل من الحكمة في شيئ أن أعالج من أختلف معه فكريا، بقتله وإهدار دمه؟.
الطامة الكبرى في عراق ما بعد صدام، هي المحاولات الخبيثة لتهجير العقول والكفاءات، عبر زرع الخوف وارسال التهديدات كي يتم اخلاء الساحة لهم ولوحدهم.. تجار الدم هم المسؤولون عن هذا الوضع. وإلا ما معنى حرمان الوطن من الاستفادة من عقول أبنائه؟ وإخلاء ساحته من أدبائه ومفكريه؟.
أليست هذه خطة خبيثة لقتل الابداع واسكات الاصوات المطالبة بالتغيير؟
يقول الاستاذ الاديب والناقد الكبير علي الخباز رئيس تحرير جريدة صدى الروضتين في معرض حديثه عن ظاهرة الاغتيال وتداعياتها على مستوى المشهد الثقافي:
جواب الصحفي والاعلامي لايختلف كثيرا عن أجوبة الشارع، وبكل بساطة وطيبة خاطر: القتل هو صفة اجرامية بجميع الحسابات، والتصفية الجسدية عجز عن مجاراة الاعلام، على السياسي أن يدرك أولا أن المدون الاعلامي إذا كان في صميم الواقع ويمثل الحقيقة، بالتأكيد لايستطيع كل رصاص الدنيا أن يمحيه أو يزيل له أثر وستبقى الحقيقة أعلى من سطوة القتل، أما إذا كان الكلام المدون ليس من الواقع ولايمثل الحقيقة فيصبح حينذاك من الغباء اعطاء الموضوع اكبر من حجمه، ليصل لحد التصفية الجسدية، وعلى الكاتب بالمقابل أن يدرك أنه مشروع تضحوي، فإذا عرف أن كلماته ممكن أن تدعم الحق وتصحح المسار فلابد من رفع شعار العلم والتنبيهات والصرامة في كشف المحتوى المندس وتحاشي خشونته.. أي إنه لابد من معرفة كيفية التعامل مع الاجرام، وإلا فالجرس الخطابي خارج هذا العنوان يصبح تهلكة.
والروائي المشذوب صديق واخ اشتغل في منحى ترسيخ مفهوم التراث الكربلائي وكتب الكثير من
مظلومية هذه المدينة ، ونحن نحتاج الى مثل هذا اليراع الروائي الذي كان يمكن المحافظة عليه..
وهناك الكثير من صحفيي السياسة كان الأجدر بهم أن يحملوا عنه مثل هذه المواقف، فحين يقتل اعلامي نخسر اعلامي، واليوم خسرنا في سوح الاعلام روائيا عراقيا وقلما عربيا عالميا استطاع أن يرفع راية كربلاء عاليا.
فقدنا بمقتله مثقفا كربلائيا منتميا باخلاص لتراث مدينته، وأرجو أن لايفهم كلامي على غير مقصد فالصحفي يعوض بصحفيين كثر تضحويين يرفعون الهام، لكن علاء مشذوب المثقف الواعي الروائي والمؤرخ الذي كان ينتظره الكثير.. خسرناه لكونه لم يحتمل خرس الاعلام.
إننا اليوم أمام منعطف خطير خصوصا أن الجريمة حصلت داخل كربلاء، الحرم الآمن للامام الحسين، وإذا كانت كربلاء مدينة آمنة كما يقال، إذن ماذا سيعطي هذا الحادث من تطمينات لباقي أبناء المحافظة؟ وماذا سيترتب من تداعيات على مستوى الأمان فيها؟.
إن توفير الأمن ضرورة من ضرورات الحياة، قد تفوق ضرورات الغذاء واللباس، بل إنه لا يستساغ طعام ولا شراب إذا فُقد عنصر الأمان.
الأمن إذن على المحك تماما.. والأجهزة الأمنية مطالبة وبقوة للحفاظ على أمن المواطن قبل أمن العتبات.. وهي مطالبة كذلك بالكشف عن الجناة الذين تلطخت أياديهم بسفك الدم الحرام.
إن حرمة الدماء لا زالت في عقيدتنا _نحن المسلمون _ باقية لا تتغير، وحرمة المسلم عند الله سبحانه أعظم من الكعبة نفسها، أما من يحاول إعطاء الحجر أهمية أكبر من البشر فهذا شأنه.
عن ابن أبي عمير، عن أبي اسامة زيد الشحام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) وقف بمنى حين قضى مناسكها في حجة الوداع إلى أن قال: فقال: أي يوم أعظم حرمة؟ فقالوا: هذا اليوم، فقال: فأي شهر أعظم حرمة؟ فقالوا: هذا الشهر، قال: فأي بلد أعظم حرمة؟ قالوا: هذا البلد، قال: فان دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقونه فيسألكم عن أعمالكم، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد ألا من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها فانه لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه، ولا تظلموا أنفسكم ولا ترجعوا بعدي كفارا.
فهل يفهم تجار الدم منطق نبي الرحمة؟ وهل يدركون عظم جريمتهم بقتل مسلم أعزل؟
وصدق رب العزة إذ يقول في محكم كتابه العزيز:
(...مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً..).
اضافةتعليق
التعليقات