إنها الساعة الثانية ما بعد الظهر وأنتِ الآن على وشك الدخول للمنزل، قد أُنهكت قواكِ وربما قد نفدت معظم طاقتك في الوقوف أمام الطلبة والتنقل من صفٍ لآخر وقد بُحّت اوتار حنجرتك الرقيقة لتصل رنّتها لكل أرجاء الصف ومع ذلك دون بنت استراحة تبدأين بالفصل الثاني من اليوم في المنزل، قد تخرجين الطعام الذي أعددتيه البارحة مساءً لنهارك أو قد تطبخين واحدا آخراً في الوقت ذاته وتُعلّقين إبتسامة حانية على وجهك المتعب لكي لا تبان ملامح الإرهاق لأسرتك..
وبعد إستراحة قليلة وربما مشوشة تباشرين مرة أخرى بالفصل الثالث من اليوم وهو تدريس أطفالك ورؤية ما ينقصهم للمدرسة ومن ثم واجباتك أمام عائلتك وصديقاتك والأقربون وهكذا إلى أن ينتهي يومك الحالي ليستقبله الآخر بذات الوتيرة اللذيذة المتعبة في آن واحد..
معلمتي الجميلة إنني فخورة جداً بعملك والذي يرفع الأجيال بيديه نحو السمو ويجاري الأنبياء والرسل بما قدموه ولكنني أود إخبارك أن امي تجتهد الإجتهاد المضني ذاته ففي يومها كله قلما تقف برهة لنفسها، إن وقتها موزّع بين عملها والمنزل والعائلة والواجبات والمسئوليات وقد تكون بلا معين سوى الله ومع ذلك فهي تحاول ان تدفع بكلتا يديها عجلة جهودك في تعليمي وتأسيسي.
قد يكون تعبيري مبالغاً بنظرك او تعتقدين بأن هناك بعض الأمهات المهملات واللاتي لا يعتنين بأطفالهن ربما ولكن أي أم تسعى عنوة بأن تهمل عيالها في جميع المستويات علمية كانت ام إجتماعية؟!
فهناك من طعنت بالسن وعصى عليها تعليم أطفالها وهناك الأم المبتدئة والتي قد أكون أنا اول اطفالها ذهاباً الى المدرسة، وهناك من لا تتقن فن التكامل بكل شيء فقد لا يعنيها تفوق عيالها بل يكفيها نجاحهم وتجاوزهم المراحل الدراسية وهناك الكثير من الأمهات من تكثفت انواع المسئوليات على عاتقهن ومنعتهن من رفع عيالهن للتفوق.
لذا إن نسيتُ قلمي او كتابي فلا تؤنبيني وإن تكرر فشلي فلا تجرحيني وإن رأيتِ هيئتي غير منتظمة كفاية فأغلقي عيون الضاحكين علي، وان تلعثمتُ بنطق الأحرف فأقيمي لساني بعلمك وطول بالك، فقد تنسين ما قدمتِهِ لي ولكنني لا أنسى ذلك بل وحتى العمل الذي فعلتيه بلا تركيز معي يبقى ويتكدس في قائمة القيم والمبادئ بعقلي اياً كان وقد أفعله أنا لأطفالي او طلابي في يوم ما.. لأنك مربيتي ومعلمتي، كوني أمي.
اضافةتعليق
التعليقات